بتواطؤ «التحالف»… البناء العشوائي يجتاح عدن

الجنوب اليوم | متابعات

إسماعيل أبو جلال

لم تعد الحالة الأمنية، التي تعانيها مدينة عدن، تحتل صدارة القضايا والعوائق التي تحول دون إعادة تطبيع الأوضاع فيها. فخلال الثلاثة أعوام الأخيرة، تراكمت قضايا ومشكلات خطيرة أخرى، وأضحت لا تهدد واقعها الراهن وحسب، وإنما تمسّ مستقبلها بسوء في الصميم، وتقتلع خيوط الأمل في نهوضها من الجذور، وفي مقدمة هذه العوائق، الاعتداءات على مخططاتها العمرانية الجديدة، من خلال الانتشار الكثيف والمتسارع وغير مسبوق للبناء العشوائي في مداخلها الشرقية والشمالية والغربية، والمواقع التي سبق تحديدها في العقود الثلاثة الماضية، كمناطق صناعية أو تجارية أو للاستثمار السياحي ومرافق خدمية وشوارع وفضاءات عامة.
عشرات الآلاف من المساكن والعمارات، التي بُنيّت مؤخراً وشكلت أحياء دخيلة، باتت تمتد من العريش وساحل أبين والممدارة شرقاً، مروراً بدار سعد وبير أحمد وطيبة والحسوة وصولاً إلى مدينة البريقة وصلاح الدين، ومازالت حتى اليوم تشهد عمليات بناء على وتيرة واحدة، وبلا توقف، وعلى مرأ ومسمع كافة الأجهزة الأمنية في محافظة عدن، التي مازال دورها في هذا الجانب يكتنفه الغموض.
تشوية متعمد
ويؤكد أبناء عدن، أنه قد أضحى من الواضح أن الاعتداءات الصارخة على المخططات العمرانية للمدينة، يهدف إلى تقديمها على أنها عاجزة على تأمين الحد الأدنى من النشاط التجاري والاقتصادي في المستقبل، وهو ما سيقطع عنها طريق المنافسة مستقبلاً لأي من المدن والموانئ في دول الجوار، مما يثير تساؤلات، تبحث عن الأسباب التي أدخلت عدن في هذه الانتكاسة الخطيرة، في هذا الظرف بالتحديد، خاصة أن كل القرارات المتعلقة بشئونها بيد «التحالف».
يقول المهندس عارف مهدلي من مكتب الأشغال العامة في عدن، في تصريح خص به «العربي»، «فعلاً مدينة عدن تتعرض للتشوية المتعمد من قبل جهات وأطراف، دعنا نقول أنها مازالت غامضة، وبكل صراحة وللأسف الشديد، أن كل المخططات العمرانية للمدينة انتهت تماماً، بفعل الهجمة غير المتوقعة أبداً للبناء العشوائي في مختلف المناطق الجديدة»، وعن مسئوليات الجهات الحكومية المعنية، يوضح، «أعتقد أن هذا الأمر أضحى خارجاً عن سيطرة وزارة الأشغال العامة، خاصة أننا في المكتب الوزارة، لم نستأنف أعمالنا إلا في الأشهر القليلة الماضية، ومازال دورنا محدود في محاولة إعادة ترتيب الوضع مكتبياً».
ويتساءل مهدلي عن دور الأجهزة الأمنية التي زاد عددها، وهو يؤكداً على أنها «تقف موقفاً سلبياً من هذه القضية (النباء العشوائي)، التي تهدد مستقبل عدن».
تقاعس الأجهزة الأمنية
وفي زيارة قام بها فريق «العربي» إلى منطقة بير أحمد، شمال مدينة عدن، والتي سبق أن حددت في المخططات العمرانية كمدينة صناعية واستثمارات عقارية حديثة، كما هو الحال في منطقة طيبة الممتدة على الشريط الساحلي من مدينة الشعب إلى مدينة البريقة، التي خططت معظمها للمنشأت الفندقية والسياحية، تتضح الحقيقة أن هذه المناطق «منكوبة بامتياز»، إذ لم يعد هناك أي أثر لأي من المخططات على الأرض، وأضحت تكتظ في أنحائها بالعمارات والمساكن التي شيدت في زمن تحكمه الفوضى المنظمة، وطغى عليها القبح الذي لا يمكن تصوره.
فالأحياء بلا شوارع أو مرافق خدمية، كما لم يعد في محيطها ما يقبل التقدير أن يكون هناك شارعاً منظماً أو متنفساً في المستقبل، وبات جلياً أن كل تلك الأحياء منفرة، لأي استثمارات مستقبلية، من أي نوع.
ويقول ناجي عقربي، عاقل حارة في منطقة بير أحمد، في حديثه لـ«العربي» إن «منطقتنا هذه من المناطق المهمة جداً في عدن، مساحتها كبيرة جداً، وكان قد أطلق عليها اسم (عدن الجديدة)»، ويؤكد على أن «كل الأراضي هنا ملك الدولة، وتم تخطيطها من السابق لتكون واجهة عدن كلها، وكل ما تشوفوه أمامكم هو بناء عشوائي، تم خلال السنتين الماضيتين فقط».
ويتابع عقربي مستغرباً «لا ندري من أين جاء هؤلاء، واتضح لنا أنهم متنفذون كبار ومدعومون بأموال طائلة»، ويضيف باستياء أن «المشكلة أننا أبناء هذه المنطقة لم نقدر على مواجهتهم، رغم محاولاتنا في بداية الأمر، إلا أننا وجدنا أنفسنا نقدم أبناءنا ضحايا، أمام مسلحين وأطقم عسكرية».
توجيهات حبر على ورق
ويكشف الملازم نبيل اليافعي، المسئول في قسم شرطة منطقة بير أحمد، لـ«العربي» بأنه «تأتينا توجيهات من الوزارة في الفترة الأخيرة، للتحرك من أجل إيقاف زحف البناء العشوائي، لكن كل مرة نفاجأ بتوجيهات أعلى منها، تمنعنا من التعرض لأحد»، في إشارة منه إلى قيادات «التحالف العربي».
ويرى مراقبون أن حالة البناء العشوائي الهستيري الذي يجتاح المناطق الجديدة من مدينة عدن، يستهدف قمع طموحات المدينة في الوجود، أو المنافسة في المستقبل، وأن أصابع الاتهام مازالت موجهة نحو دولة الإمارات، التي تسعى للحيلولة، كما يقول غالبية الأهالي في المدينة، «دون إحداث أي تطوير لموانئ عدن»، بعد أن أضحت كل القرارات المتعلقة بهذه المدينة «بيدها»، لذلك لم يعد غريباً أن تكون هذه الحالة ضمن مخططات بقاء شركات موانئها الشهيرة تحتفظ بمكانتها ولو على حساب الاخرين، وفي مقدمتهم عدن.

المصدر العربي