لماذا لا ينبغي للسعودية والإمارات المراهنة على ترامب؟
الجنوب اليوم | ديفيد هيرست
هذه أيام عصيبة بالنسبة لمحمد بن زايد، الذي يمثل في الشرق الأوسط دور “دارث فيدر” في فيلم ستار وورز (حرب النجوم) في سعيه لإقامة إمبراطورية مجرية مشكلة من الدول “الإسلامية المعتدلة”، التي يجمع ما بينها أنها ليبرالية اسماً وإن كانت في واقع الأمر دولاً أمنية قمعية، ينتهي بها المطاف جميعاً إلى التسبيح بحمد نجم الموت أبو ظبي.
أُخرج المدربون العسكريون الإماراتيون للتو طردا من الصومال بعد اكتشاف ومصادرة 9.6 مليون دولار نقداً وصلت على متن طائرة إماراتية، ونجم عن ذلك توجيه ضربة لمخططات ولي العهد الإماراتي إقامة سلسلة من الموانئ على امتداد الساحل المطل على المحيط الهندي بما في ذلك في بربرة المدينة الواقعة داخل الكيان الانفصالي المسمى أرض الصومال.
وأما مخططاته في ليبيا فليست أفضل حالاً، فهذا هو خليفة حفتر، الذي نصب نفسه مشيراً، قد عاد يعرج بعد فترة غياب طويلة نسبية قضاها في أحد مستشفيات باريس. ويقال إن حفتر، الذي عاد إلى بلاده يمشي بصعوبة، يعاني من سرطان في الرئة ما لبث أن انتشر حتى وصل إلى الدماغ.
*في خط النار*
في المقابل، يرفل أعداء حفتر في صحة وعافية، وقد تصالح زعماء المدينتين المتحاربتين مصراتة والزنتان (وكان الزنتانيون حتى ذلك الوقت يمثلون أفضل فرصة أمام حفتر لتأسيس وجود عسكري في غرب ليبيا).
وفي نفس الوقت، تم انتخاب واحد من ألد خصوم حفتر، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين خالد المشري، رئيساً للمجلس الأعلى للدولة.
وتستمر في هذه الأثناء الحرب الطاحنة في اليمن. وكان سفير السعودية في واشنطن، الأمير خالد بن سلمان –وهو طيار حربي سابق، قد أعلن في تغريدة له أن شقيقه الأكبر منه، ولي العهد محمد بن سلمان، هو الذي أمر بالهجوم الذي أودى بحياة صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين.
ولكن قد لا يكون من الحكمة التباهي بعملية القتل هذه. فقد توعد الحوثيون وكذلك المجموعات الشيعية الموالية لإيران في العراق بالانتقام لموت زعيمهم وذلك من خلال استهداف شخصيات داخل الأسرة السعودية الحاكمة، وفي مقدمتهم محمد بن سلمان، الذي يشغل في نفس الوقت منصب وزير الدفاع والذي أطلق شرارة الحرب في اليمن. ولعل هذا هو السبب في أنه بات الآن يتنقل وهو محاط بثلاث دوائر من الحراس الشخصيين.
وبشكل أعم، كان من عواقب التدخل السعودي الإماراتي تبديد الدعم الذي كانت تحظى به الدولتان من قبل أولئك اليمنيين الذين وجهوا لهما الدعوة بالتدخل بادئ ذي بدء وكان يفترض أن يبقوا حلفاء مخلصين لهما.
ففي واقع الأمر بات رئيس اليمن المنفي عبد ربه منصور هادي نفسه سجيناً داخل قصور الرياض، وقد أجبر على التوقيع على ورقة يقر بموجبها بتشكيل لجنة ثلاثية مع كل من السعودية والإمارات للمشاركة في إدارة الوضع داخل بلاده. ويبدو أن مثل هذه التقارير تؤكد ما يقوله كثير من اليمنيين من أن حرب التحرير سريعاً ما تحولت إلى حرب احتلال.
ومؤخراً خسر هادي معركة أخرى على السلطة والنفوذ تتعلق بالسيطرة على مطار عدن لصالح مليشيات موالية للإمارات. وتبع ذلك مباشرة تعريض هادي ومدير مكتبه عبد الله العليمي إلى إهانة بالغة حين تم نقلهما بعد استدعائهما للقاء الملك في مقر إقامته إلى غرفة رديئة التأثيث بقيا فيها بدون أغطية لما يقرب من أربع وعشرين ساعة.
*حسابات خاطئة باهظة التكاليف*
ما يثير الفضول حقيقة هو أن أكبر خيبة قد تلحق بمحمد بن زايد وحساباته الخاطئة باهظة التكاليف لن تكون بسبب أي من مغامراته المشار إليها آنفاً سواء في الصومال أو في ليبيا أو في اليمن، وإنما بسبب خسارته في أكبر مقامرة مارسها تتمثل في الرهان على الرئيس دونالد ترامب نفسه.
وقعت عينا محمد بن زايد على ترامب في الأيام الأولى من الحملة الانتخابية الرئاسية عندما كانت هيلاري كلينتون لا تزال المرشحة الأوفر حظاً.
لم تكن هيلاري كلينتون تروق للإماراتيين الذين اعتبروها تجاوزت مدة صلاحيتها في مجال السياسة الخارجية، وكانوا يرغبون في رؤية شخص مبتدئ وشرس يتولى زمام الأمور، شخص أشبه بالصفحة البيضاء التي يمكن لمن يملك المال والمبادرة أن يسبق إليها فيخط فيها ما يشاء. ونظراً لأن القطريين فضلوا النأي بأنفسهم عن ترامب وصدوا محاولاته التقرب منهم، فقد وجد الإماراتيون فرصتهم السانحة التي ما كان ينبغي أن تضيع.
وقعت عينا محمد بن زايد على مبتدئ آخر، الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي كان حينها لا يزال بعيداً عن نيل العرش السعودي. في أواخر عام 2015، اصطحب محمد بن زايد الأمير السعودي في رحلة صحراوية للصيد بالصقور، ثم ترافق الاثنان في رحلة بحرية في قارب كان على متنه جورج نادر، الأمريكي من أصل لبناني، الذي لعب دور القناة الخلفية التي طالما استخدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة كلما رغبت في إعادة التموضع في المنطقة.
وكانت تلك فرصاً استغلها محمد بن زايد لكي يوجه محمد بن سلمان ويرشده إلى ما كان ينبغي عليه فعله حتى يصبح ملكاً في بلاده. كان المعلم الميكافيلي يعرف جيداً كيف ينمي طموحات الأمير المتعطش للسلطة والنفوذ.
ما لبث محمد بن زايد أن عرف محمد بن سلمان على الإسرائيليين ثم على عائلة ترامب، وقد روج محمد بن زايد لمحمد بن سلمان داخل واشنطن بفضل جهود سفيره المقتدر والنشط هناك يوسف العتيبة.
بدأ كل ذلك بينما كان ابن عمه محمد بن نايف لا يزال المفضل لدى المؤسسة العسكرية داخل الولايات المتحدة، وكانت واحدة من مهام العتيبة، التي نجح فيها بشكل باهر، العمل على تدمير سمعة محمد بن نايف في الأوساط الأمريكية.
*زيارة مؤجلة*
لقد أنفق الأميران ثروة طائلة في سبيل ضمان الحظوة لدى ترامب – منها ما يقرب من 500 مليار دولار على شكل عقود دفاعية التزمت بها المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة على مدى العقد القادم.
كانت ذروة هذا الجهد المضني والعمل الصبور سلسلة من الزيارات الملكية إلى واشنطن حرص محمد بن زايد أن يكون هو الخاتم لها، وكان من المقرر أن تكون زيارته في نهاية إبريل/ نيسان، ولكني علمت من مصادري أنه تم تأجيلها.
كان محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يتوقعان من جولاتهما تحقيق نصر مؤزر، إلا أن الولايات المتحدة أثبتت أنها ليست بالسهولة التي تصوراها. ما من شك في أن وسائل الإعلام غرّة ويسهل خداعها وتضليلها ومراكز الأبحاث والتفكير في واشنطن قابلة للرشوة ويمكن بيسر شراؤها.
ولكن حينما تشتري ترامب فلا مفر من أن تصبح شريكاً في المعارك التي يخوضها، وسريعاً ما يصبح أعداؤه أعداءك أنت أيضاً.
ولقد تنامى إلى علمي أن محمد بن زايد طالب بتعهد مكتوب بأنه لا هو ولا أحد من بطانته سيصدر أمر بتوقيفه للاستجواب من قبل المحقق الخاص روبرت مولر بشأن التحقيق الذي يجريه حول التمويل غير الشرعي الذي تلقته حملة ترامب الانتخابية.
لقد حصل مولر على معلومات داخلية حول تعاملات محمد بن زايد السابقة وذلك من خلال جورج نادر، أحد مستشاري محمد بن زايد السابقين. والآن، يرغب محمد بن زايد في تجنب التعرض لأي تشريح إضافي قد ينجم عن ذلك لن يلبث أن يجد طريقه إلى النشر على صفحات النيويورك تايمز.
*الجوكر في علبة الورق*
ثم، هناك الجوكر في علبة الورق: إنه ترامب بشحمه ولحمه. لا يريد محمد بن زايد أن يتكرر معه الفصل المهين الذي تعرض له محمد بن سلمان على يدي مقدم برنامج تلفزيون الواقع الاستعراضي السابق حينما أخرج له سلسلة من البطاقات الضخمة الملونة التي تبين حجم ما تعهدت المملكة بإنفاقه على شراء الأسلحة الأمريكية. وكان محمد بن سلمان قد جفل حينما أخرج له ترامب البطاقات، ويخشى محمد بن زايد أن يجفل مثله على الملأ.
كما أنه لا يرغب في أن يكرر ترامب على مسامعه نفس العبارات التي نطق بها مؤخراً لدى استقباله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكان منها التصريح بأن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيتساقطون الواحد تلو الآخر “خلال أسبوع” لو لم تكن الولايات المتحدة موجودة هناك لحمايتهم.
قال ترامب بتفاخر وخيلاء:
“ما كانوا ليوجدوا هناك لولا الولايات المتحدة. ما كانوا ليستمروا لأسبوع واحد. نحن الذين نحميهم. عليهم الآن أن يتقدموا ويدفعوا تكاليف ما يجري”.
بلغ الانزعاج بالإماراتيين حد إصدار تعليمات إلى معلقيهم المخولين بالتعليق بأن يردوا ويدلوا بما لديهم من آراء حول ذلك، وكان من هؤلاء عبد الخالق عبد الله الذي غرد قائلاً إن دول الخليج العربية كانت موجودة قبل أن تقام الولايات المتحدة بزمن طويل وستظل موجودة لسنوات طويلة بعد مغادرتها.
*استرضاء الجمهور اليهودي في الولايات المتحدة*
كما أن ترامب أحجم عن مجاراة السعوديين والإماراتيين حول قطر. فما أن هنأ الأميران الإماراتي والسعودي نفسيهما على دورهما في إحالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون على التقاعد المبكر حتى جاء خلفه مايك بومبيو ليكرر على مسامعهما نفس الرسالة: يكفي ما جرى، أنهوا الحصار.
لم يكن ذلك مما توقع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير سماعه، وخاصة أنهم كانوا يخططون لشق خندق على امتداد الحدود مع شبه الجزيرة القطرية واستخدامه لتفريغ الفضلات النووية.
منذ اللحظة الأولى، عزم محمد بن زايد ومحمد بن سلمان على فعل كل شيء ممكن، ربما في ما عدا السجود البدني الفعلي، في سبيل نوال رضا ترامب والجمهور اليهودي في الولايات المتحدة. بل لقد ذهب محمد بن سلمان إلى حد إخبار الزعماء اليهود، بحسب تقرير بثته القناة الإخبارية العاشرة في إسرائيل، بأن على الفلسطينيين أن يقبلوا بالمقترحات التي عرضت عليهم مؤخراً أو أن يخرسوا.
نقل عن ولي العهد السعودي قوله:
“حان الوقت لأن يقبل الفلسطينيون بالمقترحات وأن يوافقوا على المجيء إلى طاولة المفاوضات أو أن يخرسوا ويتوقفوا عن الشكوى”.
يطالب ترامب ومعه إسرائيل بأن يقبل الفلسطينيون بعدد من الشروط كأساس لاستئناف المفاوضات، ومنها: التنازل عن القدس الشرقية، والتخلي عن حق العودة وطي ملف قضية اللاجئين، ووقف تمويل الأونروا، وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة.
إلا أن شيئاً من ذلك لا يفي بالمطلوب، ومن المحتم أن تكون قد تشكلت لديهم القناعة الآن بأن أجندة ترامب لا تنسجم بالضرورة مع أجندتهم.
*النفوذ الإيراني*
لقد أعاد محمد بن سلمان صياغة السياسة الخارجية السعودية، فقد كانت في الماضي عدوانية بشكل سلبي، أما الآن فقد أضحت عدوانية بلا رتوش، وهدفها هو تنسيق موقف عربي سني للتصدي للنفوذ الإيراني العسكري والسياسي في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وذروة سنام هذه السياسة هو شن حملة عسكرية جوية على المرافق النووية وعلى الدفاعات الجوية الإيرانية.
إذا ما قدر لحرب تقليدية أن تشن على إيران، فسوف تكون حرباً أمريكية إسرائيلية، وسيقتصر الدور السعودي في ذلك على توفير الغطاء والدعم والقواعد، كما حدث في حرب جورج دبليو بوش ضد صدام حسين في العراق عام 2003.
وكان الدرس الذي أنتجته تجربة العراق قبل الانسحاب بوقت طويل هو فقدان الولايات المتحدة للسيطرة على البلد الذي غزته وتنازلها عن السلطة فيه لصالح السياسيين الشيعة الموالين لإيران والممولين من قبلها. فلقد انطلقت حرب العراق وأديرت طبقاً لقواعد وضعتها أمريكا وانتهت بشروط حددتها أمريكا. وكانت مصالح السعودية طوال ذلك ثانوية بالنسبة لواشنطن. والنتيجة الآن هي اضطرار السعودية لشن هجوم جاء متأخراً بهدف شراء النفوذ في العراق.
لم يكن ترامب ولن يكون يوماً جزءاً من المنطقة، إلا أن الحاكم القادم في المملكة العربية السعودية جزء منها. وعندما تعود تلك الطائرات المقاتلة الأمريكية والإسرائيلية إلى قواعدها، سيكون السعوديون أول من يشعر بالعواقب، وخاصة بوجود عدد لا يستهان به من المليشيات الشيعية العالية التنظيم والجيدة التدريب والتي ستكون على أهبة استعداد للقيام بما يطلب منها من مهام.
*آثار مدمرة*
إذا كانت حرب بوش على العراق قد فتحت أبواب جحيم الطائفية في المنطقة، فستكون عواقب الحرب التي ستشن على إيران أشد وطأة، وستجد المملكة العربية السعودية نفسها في عين تلك العاصفة المدمرة.
فعلى النقيض مما كان عليه الحال في عام 2003، لن يحظى السعوديون بحماية شعور أخوي يبديه العرب في دول المنطقة تجاههم. فعندما تطرد الآلاف من العمال الأجانب العرب وتخرجهم من أرضك (تشير بعض التقديرات إلى أن 800 ألف عامل أجنبي غادروا المملكة العربية السعودية في العام ونصف العام الماضي) فسوف تخسر كثيراً من التعاطف داخل الأردن وداخل مصر وفي غيرهما من الأقطار العربية التي تعتمد على تحويلات المغتربين من مواطنيها.
قد تروق الحرب على إيران للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة (كما تروق لنتنياهو) وتتوافق مع أجندتهم في المنطقة، إلا أن آثارها على الاستقرار في المملكة العربية السعودية، وبشكل خاص على الملك الجديد، ستكون مدمرة جداً. لا ينبغي أن تستهدف الاستراتيجية السعودية الهيمنة على العالم السني وتنحية الفلسطينيين جانباً، بل ينبغي أن تستهدف إقامة تحالف من الدول السنية للوقوف في وجه إيران وتعديل كفة التوازن معها.
يبدو أن رهان محمد بن سلمان ومحمد بن زايد على ترامب كان نتيجة لحسبة خاطئة.
عن موقع “ميدل إيست آي” البريطاني