كلام سياسي | عدن… الخدمات المعيشية في عين عاصفة الصراعات
الجنوب اليوم | العربي
صلاح السقلدي
لم تكن محاولة استهداف نائب رئيس هيئة الأركان العامة بالجيش الموالي للرئيس عبدربه منصور هادي، اللواء صالح الزنداني الذي تعرض لها مساء السبت الماضي في مدينة عدن، محاولة اغتيال من قبل عناصر مسلحة مجهولة، كما زعمتْ بعض وسائل الإعلام الموالية لسلطة هادي، بل هي عملية احتجاج ساخطة نفذها العشرات من الجنود الغاضبين بوجه الزنداني، عند خروجه من أحد مشافي المدينة، حين كان في زيارة لتفقد عدد من الجرحى، كانوا قد وصولوا لتوهم من جبهة الساحل الغربي، واعترضوه فور خروجه بإشهار السلاح بوجهه وبوجه مرافقيه، في واقعة كادت تسفر عن كارثة حقيقية، من قِبلِ هؤلاء الجنود المنتميين لـ«اللواء الأول دعم وإسناد»، والمحتجون على الأساليب القهرية التي يتعرضون لها – ويتعرض لها عشرات الآلاف من أفراد الجيش والأمن في عدن وعموم محافظات الجنوب – والتي تتراوح بين مظلمة رفض اعتمادهم رسمياً كجنود بالمؤسسة العسكرية، بسبب التلاعب والمحسوبية التي تطال عملية الترقيم، والسطو على مرتبات بعضهم، واقتطاعات شهرية كبيرة منها، وممطالة تسليمها في وقتها، حيث تتعمد الجهات المعنية بتأخيرها عدة أشهر، في عملية استثمار مالي بشع تقوم به مافيا فساد، متغولة بجسد الجيش المعروف بـ«الجيش الوطني»، مع أن جُل أفراده من الجنوبيين الرافضين لهذا المسمى، وتجاهل علاج جرحاهم وعملية البيع والشراء التي تطال عملية تسفيرهم للخارج والعلاج بالداخل، وغير ذلك من المظالم الجائرة. وبالتالي فهذه العملية التي تعرض لها اللواء الزنداني، تمثل مؤشراً صريحاً على كمية الغضب ومقدار الشعور بالظلم، الذي يتملك نفوس الآلاف من الجنود والضباط في عموم المؤسسات العسكرية والأمنية، وهي بين مؤسسات الدولة الأكثر بؤساً واستشراءً للفساد والفوضى العارمة التي تعصف بها، والحال ذاته في المؤسسات المدنية، وهو ما ينذر بثورة شعبية كبيرة يصعب التنبؤ بنتائجها.
فالأوضاع السيئة التي تعتري المؤسسة العسكرية التابعة لـ«الشرعية»، هي صورة مصغرة للوضع العام المتردي الذي تعيشه المحافظات الجنوبية، منذ أكثر من ثلاثة أعوام هي عمر حرب مجهولة المصير، في كل المجالات المعيشية والحياتية جرّاء تفاقم الفساد، بكل صنوفه المالي والإداري والسياسي، واستشراء التسيب الرهيب بمؤسسات الدولة، وانحدار البلد إلى مزالق حالة اللا دولة… فمِن أوضاع الجيش والأمن المتردية، إلى أزمات الوقود المتتالية وتصاعد الأسعار المهولة، واضمحلال قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وبلوغ الفقر نسبة لا سابق لها، وليس انتهاءً بحالة الاضطراب الأمني، وتفاقم معدلات الجريمة، وتزايد حالات الاغتيالات التي تطال عدد من الكوادر من كل الفئات والمشارب، في ظل استهداف المؤسسة الأمنية الرسمية لمصلحة كيانات أمنية افتراضية غامضة المواقف، وفي ظل وضع جنوبي تتجاذبه عدة مشاريع إقليمية ومحلية وتتخطف طاقاته وسيادته الوطنية وارادته السياسية، وتوسع نفوذ الجماعات المتطرفة على طول الجنوب وعرضه، وازدياد حالة التشظي بين النخب الجنوبية الموزعة في ولاءاتها لجهات داخلية وخارجية.
ومع كل هذا الركام المكدس، من الخراب والعبث، يظل موضوع تدهور الخدمات الأساسية التي تتم بواسطة جهات وشخصيات معروفة لأجندة سياسية تستهدف الجنوب ومشروعة التحرري بالمقام الأول، هو الأشد وطأة على كاهل المواطن بهذه المحافظات، وهو الباب الذي ستعصف منه رياح التغيير في الجنوب، لتقتلع سطلة غارقة بوحل الفشل والفساد والارتهان… فقبل أيام فقط، أطلّتْ أزمة الوقود من جديد في عموم عدن والمحافظات المجاورة، مع حديث عن زيادة تسعيرة جديدة بعد أسابيع من تسعيرة كبيرة بلغت أكثر من الضعف للعشرين لتر بنزين، لتصل إلى 6300 ريالاً، سيزيد هذا الرقم الى نسبة 20% على الأقل بحسب بعض مُلّاك محطات الوقود، في ظل شلل تام يعتري شركة النفط والمصفاة، بعد شهرين من قرار جمهوري غامض ومريب نص على تحرير سعر النفط، وتهميش الشركة المعنية لمصلحة هوامير كبيرة تتماهي مع نهم السلطة وفسادها، وفي ظل تدهور سعر العملة اليمنية الريال وعودة الآلاف من المغتربين المطرودين من المملكة العربية السعودية، ما يعني كل هذا أن الوطن بات يمضي حثيثاً نحو المجهول، من دون أن تلقي دول «التحالف» بالاً لذلك، مكتفية بتوزيع سلال الغذاء وكراتين الفاصوليا، على طريقة الصدقة والعطف أمام عدسات الكاميرا، وهي الدول الأكثر ثراء والأغزر نفطاً بالعالم، وتشاهد كل هذا التدهور وهذه الأزمات المتلاحقة بالوقود والكهرباء بالعالم، وهي مشغولة بتكريس وجودها العسكري ونفوذها السياسي بوتيرة عالية من محافظة المهرة شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، مروراً بالجزر الاستراتيجية ببحر العرب، وميناء عدن المكلا، ومضيق باب المندب الهام، ضمن دائرة صراع إقليمي سعودي إماراتي إيراني قطري تركي – وأمريكي – على المنطقة – واليمن تحديداً – كجغرافيا وثروة وتاريخ.