تحقيقات دولية حول سجون الامارات السرية في اليمن
الجنوب اليوم | متابعات
ظلت دولة الإمارات لسنوات طويلة تُخفي الجرائم في السجون التي تديرها داخل البلاد وخارجها، لكن بعد مشاركتها في التحالف العربي لإعادة الشرعية، في اليمن، وإدارتها للسجون السرية هناك، باتت تُظهر الوجه المظلم لدولة السعادة المزعومة، لا سيما عند الحديث عن المعتقلين السياسيين على أراضيها.
وفي الرابع والعشرين من مايو الماضي، صوَّت الكونغرس الأمريكي على إجراء التحقيق والمحاسبة تجاه ما يتم من تعذيب في السجون السرية التي تديرها أبوظبي وحلفاؤها جنوب اليمن، التي حاولت طوال السنوات الماضية أن تخفي دورها في ذلك خلف ستار إنساني لإغاثة المجتمع اليمني.
وعلى خلفيّة تداول تقارير دولية وحقوقية حول الانتهاكات في السجون الإماراتية داخلياً وخارجياً، دعت منظمة العفو الدولية، نهاية العام 2017، إلى إجراء تحقيق بقيادة الأمم المتحدة لدور الإمارات والأطراف الأخرى في إنشاء شبكة التعذيب المروعة، حسب تقرير نشره موقع الخليج الجديد.
وأكد موقع “ذا إنترسبت” الأمريكي أن موافقة مجلس النواب على التحقيق جاءت عقب معارك كلامية في المجلس، وفي وقت سابق من الشهر الماضي، تقدّمت لجنة قوانين مجلس النواب بطلب من وزارة الدفاع للتحقيق فيما إذا كانت دولة الإمارات وحلفاؤها الآخرون في اليمن متورّطين في تعذيب المعتقلين.
وطلب التحقيق الدولي حول إدارة أبوظبي للسجون السرية في اليمن جاء بناء على تحقيق استقصائي نشرته وكالة “أسوشييتد برس”، العام الماضي، وذكرت فيه أن الإمارات وقوات مموّلة إماراتياً تُدير شبكة مؤلّفة من 18 سجناً سرياً في جنوب اليمن.
ويؤكّد التحقيق أن ما يقرب من ألفي يمني قد اختفوا في السجون، إذ كانت أساليب التعذيب القاسية هي القاعدة الرئيسية، ومن ضمن ذلك أسلوب الشواء؛ الذي تُربط فيه الضحية بعمود، ويُقلب على النار بشكل دائري مثل الشواء، بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية على أفراد من المقاومة التي شاركت في إخراج الحوثيين من عدن، كونها تخالف توجّهات سلطات أبوظبي أيديولوجياً وفكرياً.
اتهام أممي لأبوظبي
وبناء على تقارير حقوقية دولية وتحقيقات وشهادات لمعتقلين سابقين في السجون الإماراتية جنوب اليمن، حمَّلت الأمم المتحدة، في يناير 2018، القوات الإماراتية في اليمن المسؤولية الكاملة عن أعمال التعذيب؛ التي شملت الضرب، والصّعق بالكهرباء، والحرمان من العلاج الطبي، والعنف الجنسي، بحسب ما يذكر الموقع الأمريكي. وفي هذا الإطار، قام أحد النواب الديمقراطيين، بإعداد تقرير معلن وليس سرياً، ومفصّلاً حول السجون السرية الإماراتية في اليمن، على أن يتضمّن الدور الواضح لأبوظبي في عمليات التعذيب، وكذلك الدور المشبوه للأطراف الأخرى من الدول الغربية، قائلاً: “لا أعتقد أن هناك شفافية كافية حول دور دول الغرب في اليمن”.
سجون سرية
ووثّقت وكالة “أسوشييتد برس”، نهاية العام الماضي، ما لا يقلّ عن 18 سجناً سرياً جنوب اليمن تحت إدارة الإماراتيين وقوات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية، التي شكّلتها ودرّبتها أبوظبي، وفق تقارير جمعتها من معتقلين سابقين وعائلات السجناء ومحامين وحقوقيين ومسؤولين عسكريين يمنيين.
وفي هذا الخصوص أكّدت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية أن الانتهاكات تُظهر أن بعض الدول الغربية لم تتعلَّم الدرس بأن التعاون مع القوات التي تعذّب المحتجزين وتفرّق الأسر ليس وسيلة فعّالة لمحاربة الجماعات المتطرّفة، في إشارة إلى سجلّ التعذيب التي تنتهجه بعض الدول في مختلف السجون حول العالم.
ووثّقت تقارير حقوقية وتحقيقات صحفيّة في حوادث لاختفاء مئات الأشخاص في سجون أبوظبي السرية بعد اعتقالهم بشكل تعسّفي في إطار ملاحقة أفراد تنظيم القاعدة، وكانت هذه السجون تشهد حالات تعذيب وحشية لم تُمارس سابقاً في أي بلدٍ حول العالم قط.
وأقرّ عدد من المسؤولين الغربيين أن هناك مشاركات لبلادهم في استجواب محتجزين في معتقلات سرية داخل قواعد عسكرية ومطارات وموانئ يمنيّة عدة، بل حتى في مبانٍ سكنية، وتُشرف عليها قوات يمنية وإماراتية، وبأنها تستطيع الوصول بشكل دائم إليها، وهو ما قد يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي، مشيرين إلى أن القوات الغربية تتلقّى ملفّات التحقيق بالفيديو والصور من الإماراتيين، بحسب وكالة “أسوشييتد برس”.
ورغم أن بعض القادة العسكريين في الغرب كانوا على علم بعمليات التعذيب في السجون باليمن، وكانوا مرتاحين لأنه لم يكن يحدث أي تعذيب في حضورهم، فإن هذا لا ينفي تورّطهم في التعذيب بغرض الحصول على معلومات استخباريّة، الأمر الذي اعتبره مراقبون بأنه انتهاكاً لقانون جنيف، وقد يرقى إلى جريمة حرب.
جوانتنامو الإمارات
داخلياً هذه المرة، قدّم العديد من ضحايا التعذيب في السجون الإماراتية شكاوى إلى المحاكم الدولية، وأكّدوا خلالها تعرّضهم لانتهاكات جسدية ومعنوية وتعذيب من قبل إدارة السجون، إلا أن السلطات الإماراتية لم تفسح المجال أمام اللجان الدولية للتحرّي حول مصداقية تلك الادّعاءات، دون تقديم أي توضيح، لكن إجراءات الكونغرس الأخيرة قد تفتح الباب واسعاً أمام سجلّ الانتهاكات في جميع سجون أبوظبي الداخلية والخارجية.
وتنقل منظّمات حقوقية عن معتقلين في سجون “الوثبة” و”الرزين” و”الصدر” أن الكثير من النزلاء يتعرّضون للاختفاء القسري لأشهر، إضافة إلى استخدام العنف والتعذيب النفسي والبدني، وطالت بعضاً منهم أحكام جائرة نهائية صدرت عن قضاء أمن الدولة بالمحكمة الاتّحادية العليا في محاكمة تفتقر لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة.
وحوَّلت الإجراءات التعسّفية بحق السجناء، طوال السنوات الماضية، دولة الإمارات إلى دولة قمعيّة وسيئة السمعة، دفعت البعض إلى تسمية سجن “الرزين” بـ”جوانتنامو الإمارات”، في حين كتب الكثير من المعتقلين الغربيين، لا سيما البريطانيين، عن تناقض الإمارات التي تدّعي أنها دولة السعادة والرفاهية والتنمية، لكنها تخفي وراء أبراجها الشاهقة والفنادق الفارهة تاريخاً أسود من الظلم وغياب العدالة.
مساحيق التجميل
وحول هذا الأمر، أكد المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية، أن النظام الإماراتي، بعد أن أغلق معظم المنظّمات والمؤسّسات الحقوقية والأهلية، واعتقل معظم النشطاء وأعضاء منظّمات طالبوا بالتغيير والإصلاح السياسي عقب أحداث ثورات الربيع العربي، قام عام 2015، مع بدء حرب التحالف على اليمن، بافتتاح 55 منظمة دولية منها منظمات مجهولة لبثّ تقارير مزيّفة تظهر الإمارات على أنها نموذج للتنمية في المنطقة.
المصدر: الخليج اونلاين