الجنوب… خسائر بشرية وتناقضات سياسية
الجنوب اليوم | صلاح السقلدي
بعد مرور أسبوعين على انطلاق العملية العسكرية واسعة النطاق، التي أعلنتها الإمارات والقوات الموالية لـ«المؤتمر الشعبي العام»، بقيادة العميد طارق صالح، والقوات الجنوبية بشقيها: السلفي الجهادي والحراكي، الرديفة للقوات الإمارتية، بالزحف صوب مدينة الحديدة، وانتزاعها من يد حركة «أنصار الله»، لم تتكمن هذه القوات مجتمعة، بلوغ قلب المدينة بعد، كما كان متوقعاً لدى كثير من المراقبين المحليين والدوليين، على الرغم من العدد والعُدّة الهائلة، والتفوق العسكري الضخم، والدعم السياسي الدولي لمصلحة الطرف المهاجم… فما تزال المعاركة تراوح مكانها من الكر والفر، على الأقل حتى اليوم!
إن كان تحقق شيئاً مما توقعناه وتوقعه البعض معنا، فهي الخسائر البشرية الكبيرة التي ما تزال تتضاعف يوماً بعد يوم في صفوف الطرف الجنوبي المقاتل هناك، قياساً بالقوات المهاجمة الأخرى، وعلى وجه الخصوص، قوات العميد طارق، والقوات الإمارتية، اللتان ما تزالان حتى اللحظة، بعيدتان عن كم الخسائر الجنوبية الكبيرة. هذه الخسائر، التي تأخذ شكل الخسارة الجماعية بالجملة وفق منطقة جغرافية مثل: «… تسعة قتلى من يافع بعملية واحدة، وخمسة عشرة من طور الباحة بكمينين، وسبعة من ردفان بلغم أرضي، وثمانية من أبين بقذيفتي هاون حوثية…» وهكذا دواليك!
الخشية أن تكون هذه الخسائر الكبيرة، ما هي إلا نتفٌ صغير من كومة خسارة كبيرة، في حالة دخول المدينة، وما سيتلو ذلك من كمائن ومصائد في أرض يجهل تضاريسها ومسالكها الجغرافية الجنوبيون تماماً، فضلاً عن أنها بيئة رافضة لوجود العنصر الجنوبي المقاتل، خصوصاً ذو الميول الجهادية العنيفة، تماماً كما كانت الجنوب بيئة رافضة للوجود الحوثي والصالحي ذات يوم، فثمة هلع يتملك الشمال، من سيطرة هذه الجماعات على محافظات شمالية، أي الجماعات الجهادية، التي ترى في الشمال، من دون استثناء، الأرض المجوسية الرافضية الصفوية، وتحت هذا الشعور، سيقاتل الشماليون هناك، من منطق الحياة أو الموت!
انفصام سياسي جنوبي
تأتي هذه الخسائر الجنوبية، وهذا النزيف الجنوبي في الساحل الغربي، في غمرة انشغال القوى الجنوبية، ومنها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بالحديث عن تشكيل حكومة جديدة، (حكومة يمنية وليس جنوبية طبعاً). حكومة دولة الاحتلال، التي يقول «الانتقالي» إنه يقود الجنوب إلى التحرر منها.
هناك حالة انفصام سياسي جنوبي واضح في التعاطي مع الأمور السياسية. ففي الوقت الذي يبشّر فيه «المجلس الانتقالي» بأن دولة الجنوب وحكومتها الوشيكة على الأبواب، ها هو يطالب من رئيس دولة الاحتلال، بالوفاء بالتزاماته، بتشكيل حكومة جديدة، وبتطبيع الأوضاع السياسية بينه وبين «الشرعية»، سلطة الاحتلال، بحسب ما ورد في البيان الصادر عن اجتماع هيئة «المجلس» يوم الأحد، في الـ 24 من يونيو الحالي، الذي جاء فيه عبارات غريبة ومتناقضة تجاه من يعتبرها حكومة ورئيس دولة احتلال مثل:
أولاً، أكد المحضر على الحوارات مع الرئاسة، «بما يخدم الثوابت الوطنية الجنوبية، وكذا محاورتها بتحسين الخدمات لمواطني الجنوب، وكذا مبادرة الشرعية بتشكيل حكومة كفاءات، وتفعيل خطة استقبال المبعوث الأممي بعد مصادقة الرئيس».
ثانياً، «تقارب الشرعية والتنسيق مع المجلس لتطبيع الاوضاع السياسية والخدماتية في الجنوب». أنتهى.
لا نعلم ما المقصود بعبارة تشكيل حكومة كفاءات يمنية، في وقت نتحدث فيه عن ثوابت جنوبية، ثم كيف يستقيم الحديث عن تطبيع الأوضاع السياسية مع «الشرعية»، في وقت نتفق فيه جميعنا، بمن فينا «الانتقالي الجنوبي»، أن الأوضاع السياسية الحالية في الجنوب، ليست هي التي ينشدها الجنوبيون و«الانتقالي»، فهي أوضاع يمنية لا علاقة للمشروع الجنوبي بها على الإطلاق، فهذه الأوضاع هي أوضاع تشكلها وتديرها حكومة الجمهورية اليمنية، وشرعية وحدة يوليو 94، تمضي بها بحسب مشروعها. مشروع دولة الستة أقاليم… فكيف نسعى إلى تطبيع هذه الأوضاع السياسية على أرض الواقع مع «الشرعية»؟
العربي