الجنوب… فريسة أزمات وضحية أطماع
الجنوب اليوم | صلاح السقلدي
الوقت الذي يتم فيه إرسال المئات من شباب الجنوب الى معركة الساحل الغربي بالحُــديدة، والزجُّ بهم في اتون محرقة حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، تعصف بعدن وباقي محافظات الجنوب العديد من الأزمات الخدمية والمعيشية، وتتعاظم فيها الكثير من التحديات والدسائس من كل الجهات داخليا وخارجياً.
أزمات الوقود المتعمدة ليست أول تلك التحديات، وهي التي ما تلبث أن تنتهي حتى تعاود للظهور من جديد بشكل أشد وطأة وعسفاً، وما يترتب عليها من معاناة وبؤس جرّاء انقطاعات الكهرباء والمياه، وتردي الوضع الصحي بعموم المشافي والوحدات الصحية بالجنوب كافة وليس في عدن حصراً، فضلاً عن متاعب السفر وكُـــلفته الباهظة، وصعوبة الحصول على تأشيرات السفر الى أي بقعة بالعالم وتعقيدات معاملات المطارات المريعة.
أما تنامي ظاهرة الاغتيالات التي تستهدف كل الأطياف من سياسيين ومدنيين ورجال دين وضباط أمن وقوات مسلحة وغيرهم، فهي لن تكون آخر التحديات أيضاً، علاوة على تدهور سعر العُـملة المحلية، 625 ريالا يمنيا مقابل كل دولار أمريكي، وانعكاساتها التدميرية على أسعار السلع والخدمات بشكل لا سابق له.
إحياء الانعزالية
يحدث هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه، وبشكل مفاجئ، الأصوات الداعية الى تفتيت وحدة الجنوب السياسية والجغرافية، وتحويلها الى كيانات جهوية وكنتونات سياسية افتراضية، عبر إحياء النزعات الانعزالية القديمة الرامية الى تمزيق الجنوب الى أشلاء وبقايا. وهنا تبرز الدعوة المشبوهة التي تقودها قوى داخل السلطة المسماة بـ«الشرعية»، والساعية الى إدخال الجنوب وقضيته السياسية في خضم الصراعات الثانوية الداخلية، ليسهل بالتالي ترويضه وتمرير المشاريع السياسية التي تستهدف مستقبله السياسي ووجوده التاريخي. على أن أخطر هذه المشاريع هو مشروع ما يسمى بـ«الدولة اليمنية الاتحادية» ذات الأقاليم الستة، ويهدف أصحاب هذا المشروع المزعوم في «الشرعية» والفئة الجنوبية النفعية التي تحيط بالرئيس هادي، الى طمس هوية الجنوب وقضيته الوطنية والسياسية، نظير مصالح سياسية خبيثة ومنافع شخصية أنانية، مثل إحياء النزعة العدنية تحت دعوى استعادة «دولة عدن» ورفع علمها قبل 1967م.
هذه الدعوة التي تستهدف عدن قبل الجنوب، من خلال تقزيم حجم ومكانة عدن وتصويرها بأنها مجرد جغرافيا صغيرة تتمترس خلف حائط الجغرافيا البائسة، وليس حاضرة الجنوب التاريخية، وتحجيم فضائها التاريخي الرحب الذي ذابت فيه كل الثقافات وانصهرت فيه كل المعتقدات والافكار والمذاهب الدينية السماوية والوضعية، والمشارب السياسية والفكرية…
المهرة: تحديات وأطماع
والحال ذاته يستهدف محافظة المهرة، التي ظهرت فيها نفس اليد السوداء لتعبث بها من خلف الحَــجب ولذات الغرض، يضاف لها الاستهداف الذي تتعرض له من قِــبلِ دول وقوى إقليمية «التحالف السعودي الإماراتي»، والتي تستهدف المحافظة الساحلية وسلخها عن محيطها الجنوبي، ليتسنى لهذه القوى الاقليمية السيطرة عليها وجعلها منفذا بحريا لها على بحر العرب.
وتهدف تلك القوى من خلال السيطرة على المهرة، لتمرير النفط السعودي عبر مينائها الرئيس «نشطون»، لاختصار المسافة الى أسواق النفط بشرق أسيا وأوربا وأمريكا، بعيداً عن الصداع الناجم عن تحديات مضيق هرمز الإيراني؛ علاوة على السيطرة عليها كشريط ساحلي له امتداده حتى عمق البحر الأحمر، وما رفع العلم القديم للمحافظة «سلطنة المهرة وسقطرى» الذي نشاهده هذه الأيام بكثافة، إلا مؤشرا على مدى حجم المؤامرة التي تحاك لهذه المحافظة وللجنوب عموما، وما يستهدفها من أطماع.
وفي الوضع السياسي في الجنوب، لا يبدو الحال أفضل من غيره في باقي المجالات الأخرى، في ظل حالة التخبط التي تعتري الخطاب السياسي والإعلامي لكل النخب الجنوبية، وفي ظل انقياد وانصياع مشين لجزرة وعصا «التحالف» الإماراتي والسعودي، الذي يواصل استثماره للقضية الجنوبية سياسيا وعسكرياً.
هذا الاستثمار ازداد تغولا وتوغلاً بالأسابيع الماضية، مع احتدام المعارك بالساحل الغربي وازدياد حاجة «التحالف» للبندقية الجنوبية، خاصة في مثل هكذا وضع حرج يمر به هناك بعد أشهر من التعثر العسكري، وتصاعد الانتقادات الدولية بوجهه جرّاء الانتهاكات التي تطال المدنيين.
إقصاء الشريك الجنوبي
يأتي هذا الاستغلال للقضية الجنوبية في وقت يجهر «التحالف» والقوى التابعة له في «الشرعية» بأعلى صوت، لإقصاء الشريك الجنوبي من أيّــة مشاورات ومفاوضات مقبلة، بل ويبلغ هذا «التحالف» باستخفافه بالقضية الجنوبية مبلغاً ليس له مثيل، حين يصر بكل فجاجة على أن أية تسوية سياسية باليمن يجب أن تكون مبنية على المرجعيات الثلاث: «المبادرة الخليجية» و«مخرجات حوار صنعاء» و«قرار مجلس الأمن 2216».
إن جميع هذه المرجعيات لا تعترف بالقضية الجنوبية من الأساس، ولهذا الغرض أقام «مجلس التعاون الخليجي» قبل أسابيع مؤتمراً موسعاً حضرته شخصيات يمنية واقليمية كثيرة… ومع ذلك تستمر النخب الجنوبية -إلا ما رحم ربي- بالانقياد المهين وراء سراب ووهم النخاس الخليجي، حتى بعدما تكشفت لها النوايا الخليجية واليمنية المخادعة حيال الجنوب وقضيته ومستقبله، ناهيك عن ثرواته وجغرافيته، بما تحويه من موانئ وجزر وممرات وشواطئ، وإرث وحضارة وتراث!
صلاح السقلدي