السعودية تستخدم أسلوب تجار البشر لاستدراج المزيد من اليمنين للدفاع عنها
الجنوب اليوم | صحافة
في الأزمة اليمنية، لا شيء مجاني…
تدفع السعودية المال لرجال الدولة المقيمين في الرياض، فتأخذ مقابل ذلك أرواح آلاف الشباب في الحدود الجنوبية المتاخمة لحدود اليمن.
قصة جلب الشباب اليمنيين للقتال في الحد الجنوبي من أراضي السعودية، تبرز حجم المأساة اليمنية متشعبة التفاصيل.
بدأت السعودية قتال الحوثيين جنباً إلى جنب مع الجيش اليمني الذي تفكك معظمه بعد دخول الحوثيين، وبعد أكثر من عام من القتال على الحدود مع اليمن، ارتأت أنها لن تجاري الحوثيين في السيطرة على الجبال الوعرة، فالحوثيون يعرفون تلك المناطق جيداً، إضافة إلى أنهم لا يحصون قتلاهم في الجبهات، ولا يهمهم من يذهب ومن يعود.
هذا النوع من الجيوش لم يناسب الجيش السعودي، والطيران لا يمكن أن يحل محل السيطرة الأرضية، فكان الحل استجلاب شباب يمنيين لقتال يمنيين آخرين (الحوثيين) ويكون تحركهم من أراضي السعودية، التي تحد بذلك من خسائرها البشرية.
في الوقت ذاته، نفذت الحكومة خطة لسعودة الوظائف، تضرر منها مئات آلالاف اليمنيين العاملين هناك، إذ باشرت ترحيل تلك الأعداد من دون مراعاة ظروف الحرب أو الأزمة الإنسانية المتصاعدة.
حركة كانت قاصمة لمئات آلاف الأسر، التي اضطرت إلى البحث عن أي مصدر دخل في ظل الحرب وتقسيم الأراضي بين الحوثيين وقوات الحكومة وقوات موالية للإمارات في الجنوب.
عملت السعودية عبر سماسرة، على جلب شباب في مقتبل العمر معظمهم من محافظة تعز، وكثر منهم غرر بهم، على أن الرحلة ستكون إلى مأرب، وهناك سيقومون بحماية النقاط ولا يوجد جبهات، وهي الذريعة ذاتها التي يجند بها الحوثي الأطفال في الجبهات.
وسيلة لدخول السعودية
يعتبر دخول السعودية شبه مستحيل ليمني لا يملك تأشيرة عمل أو زيارة للمسؤولين أو تأشيرة حج أو عمرة لكبار السن، لكن إذا كنت مجنداً، فستدخل الأراضي السعودية بورقة بسيطة للغاية وكأنك دخلت أرضاً يمنية. في هذا التحقيق قابلنا مجموعة شبان يمنيين رووا ما حصل معهم..
يقول أ.عبدالله لـ”درج” الذي تلقى وعداً بدخول السعودية للعمل: “أخذَنا شخص من مدينة مأرب وأوقفنا في منفذ الوديعة وحصل على وثيقة تدعى (وثيقة سفر اضطرارية) من هناك بسرعة لم نكن نتوقعها، ودخلنا من دون أي عوائق”.
يقارن أ.عبدالله بين هذا التعامل وكيف سجن مرّةً في مطار جدة حين دخل بتأشيرة عمل رسمية، لكن رجال الأمن هناك وجدوا له بصمة ترحيل منذ ما قبل الحرب، فسجنوه ورحّلوه بعد أيام إلى مطار عدن بعدما خسر نحو 20 ألف ريال سعودي، مقابل تأشيرة عمل وأيضاً تكاليف المعاملات والطيران، إذ أُجبِر على الدخول جواً.
لم يواصل أ. عبدالله الطريق إلى المعسكرات، فقد أجبره أهله على العودة حين عرفوا أنه سيذهب إلى الحدود السعودية الجنوبية، وكان محظوظاً بأنه غادر قبل أن يدخل إلى الدوامة التي لا يخرج منها كثيرون.
ن. أحمد أغراه شخص في مدينة مأرب، وغادر إلى الحدود مقابل الحصول على راتب شهري يصل إلى 1500 ريال سعودي شهرياً، وحين طلب إجازة بعد مرور 8 أشهر زجوه في الزنزانة، وطلب من أهله عدم التواصل معه، مشيراً إلى أنه هو من سيتواصل معهم في حال تمكن من ذلك، فاختفى أشهراً من دون أن يعرف أحد مصيره، إذ كان يجري اتصالات سريعة ومن دون تفسير.
تلاعب بوثائق السفر
بحسب المعلومات التي حصلنا عليها من شهادات من التقيناهم يتضح أن القنصلية اليمنية في جدة تساهم عبر مندوبها في منفذ الوديعة في عملية التجنيد، من خلال تسهيلها دخول المقاتلين إلى السعودية، بمنحهم “وثيقة سفر اضطرارية”، وهي وثيقة تحتوي على رقم، والاسم واللقب وتاريخ الميلاد ومحله، إضافة إلى المهنة وتاريخي الإصدار والانتهاء وأساس صرف التصريح، كما تتضمن ختم منفذ الوديعة، وتوقيع القنصل العام.
حصل “درج” على صورة لإحدى تلك الوثائق وتنشر لأول مرة في وسائل الإعلام، ويظهر في أعلاها رقم يتجاوز الـ194 ألفاً ولا تُعرف بداية تسلسله، لكنه يطرح سؤالاً عن عدد الذين دخلوا إلى تلك الجبهات والذين عادوا والذين فقدوا أرواحهم، وأعضاء من أجسادهم في الجبهات، وهذه معلومات غير متاحة.
أسفل الوثيقة، هناك اسم القنصل العام، وعليه ختم “خالد حزام… مساعد القنصل اليمني”.
يعتبر دخول السعودية شبه مستحيل ليمني لا يملك تأشيرة عمل أو زيارة للمسؤولين أو تأشيرة حج أو عمرة لكبار السن، لكن إذا كنت مجنداً، فستدخل الأراضي السعودية بورقة بسيطة للغاية وكأنك دخلت أرضاً يمنية.
حاول “درج” الاتصال بالشخص الموقع على الوثاىق، لطرح أسئلة حول المجندين في الحدود الجنوبية للسعودية، فكان رد مساعده مقتضباً ولم ينتظر طرح الأسئلة قائلاً: “أنا لا أحشد، أصدر وثائق فقط”.
أرسلنا أسئلتنا إلا أنه لم يرد عليها بعد ذلك.
يعترف مساعد القنصل بأنه يصدر وثائق سفر اضطرارية لدخول الجنود، وهي مخالفة قانونية إذ يفترض أن وثيقة السفر الاضطرارية أو “وثيقة المرور”، تمنحها القنصليات -غير القادرة على إصدار جوازات سفر- لمن فقدوا جواز سفرهم، وذلك للسماح لهم بالمغادرة إلى اليمن لمرة واحدة.
ما يحصل حالياً شيء يشبه الجريمة المنظمة، كون هذه العملية تهدف إلى إدخال مجندين إلى دولة أخرى، من دون جواز سفر ومن دون أي اتفاقات حكومية صريحة أو وظائف رسمية حقيقية. وتخضع هذه الوثيقة حالياً لاستخدام غير ملائم لطبيعة عملها، بينما تشارك السعودية في هذه الجريمة، من خلال ختم دخول على وثيقة مخصصة للخروج، كما هو واضح في صورة الوثيقة المصاحبة لهذا التقرير.
قصة وليد
(وليد) اسم مستعار لمجند يعمل في “لواء الواجب”، الذي يقوده حمود الخرام.ما زال وليد مجنداً في ذلك اللواء حتى الآن، وحصل “درج” على صورة لوثيقة السفر الاضطرارية التي استخرجت له حين أدخلوه إلى الأراضي السعودية.
يقول وليد: “كنت أعمل في صنعاء متعاقداً في إحدى المؤسسات الحكومية بصنعاء، وحين نقل البنك إلى عدن توقفت الرواتب وألغي تعاقدي واضطررت إلى المغادرة إلى تعز بسبب العوز المادي”.
“لم أحصل على أي فرصة عمل في تعز ونبّهني أحد أصدقائي إلى وجود معسكرات حشد في “الوديعة” وفيها رواتب مغرية، فانطلقت إلى مأرب حيث التقيت شخصاً من ذمار (مفوج) يعمل لمصلحة لواء الواجب، وانطلقنا الى الوديعة وبقينا في معسكر الاستقبال قرابة شهر، بعدها دخلنا إلى السعودية بوثيقة سفر اضطرارية من دون جواز سفر وعند وصولنا إلى المعسكر التدريبي تم تسجيلنا كجنود براتب 1500 ريال سعودي لكل واحد”.
لا تظهر الوثيقة ختم دخول، بينما يقول أكثر من مجند لـ”درج”: “حين يحصل بعض المحظوظين على إجازة، يتم الختم على تلك الوثيقة في المنفذ بكلمة (مبعد) من قبل السلطات السعودية، ليظهر الشخص وكأنه كان مقيماً بطريقة غير نظامية في المملكة، بينما هو في الحقيقة كان يدافع عن الأراضي السعودية”.
جبهات بلا إسعاف
يؤكد وليد أن كثراً من المجندين يموتون في الطريق بين الجبهة وأقرب مركز للإسعافات الأولية، راوياً قصص زملاء له ذهبوا للقتال في الجبال الوعرة، حيث أصيب جزء منهم ومات آخرون في معظم الحالات بسبب النزيف، إذ يبعد أقرب مركز إسعاف من القتال مسيرة ساعة بالسيارة.
يضيف: “دخل زملاء لي العمل مسعفين في اللواء ولديهم خبرة في المجال الطبي، ولكن تم ضمهم إلى صفوف الجنود ودُرّبوا على القتال، وحين رفضوا حمل السلاح سُجنوا، فيما كان قائد اللواء يضم إلى اللجنة الطبية من يريد من دون أي مراعاة للقادرين على تقديم خدمة طبية حقيقية”.
يركز وليد على المجال الطبي المخصص للمجندين، مشيراً إلى أن زملاءه الجنود كانوا “يموتون بين أيدينا بسبب عدم توفر أبسط مقومات الإسعافات الأولية”، مشيراً إلى أن قيادة اللواء وأركان حرب اللواء والعمليات لم يستجيبوا للنداءات لتوفير المواد الطبية اللازمة”.
يقيم قادة الألوية بعيداً من الجبهات في مدينة نجران مع عائلاتهم، بينما يتسلم زمام الأمور عدد من الجنود الذين تمت ترقيتهم بطريقة غريبة، كترقية أحدهم من جندي إلى نقيب أو رائد خلال سنة واحدة، وهو أمر لا يحدث في أي سلك عسكري.
هذه الرتب لا تعني شيئاً كون الجندي ليس مسجلاً في أي كشوفات رسمية تابعة للقوات المسلحة اليمنية، لذلك يسقط عشرات القتلى من كشوفات الرواتب السعودية واليمنية معاً بمجرد تسلم العائلة تعويضاً لا يزيد عن 25 ألف ريال سعودي على الأغلب.
منفذ الوديعة
يحتضن منفذ الوديعة الحدودي الذي يعد الوحيد المفتوح بين اليمن والسعودية حالياً، مواقع لستة ألوية، كما جاء في تقرير أصدرته “منظمة سام الحقوقية”، تستقبل مجندين جزء منهم دون السن القانونية، يُنقلون لاحقاً إلى جبهات القتال.
لا يعرف أحد إجمالي عدد المجندين على الأرض سوى السعوديين وهو الأمر الذي “ينطبق أيضاً على معرفة الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى، لكن مصدراً في سفارة اليمن في الرياض قال لـ”درج” إن هذه القوى جميعها مصنفة على المنطقة العسكرية الخامسة، ويمكن أن يصل عدد المجندين هناك إلى 60 ألفاً، يتوزعون بين حدود الداخل والحدود خارج الأراضي السعودية.
مآلات صعبة
تقول مصادر أمنية إن السعودية أنشأت مراكز للجرحى في نجران، وتَمنع المجندين من مغادرة المكان عدا يوم الجمعة للمراجعة، أما الحالات الصعبة فتُنقَل إلى مقر للجرحى في مدينة مأرب اليمنية وهذا الأمر يكون بمثابة طرد نهائي. وتخضع هذه الإجراءات كلها لمحسوبيات بين قادة تلك الألوية وكبار الضباط.
في منطقة عسير السعودية، هناك مساكن للمصابين، وتبدو المنطقة مكتظة بالجرحى ومبتوري الأطراف الذين ينتظرون موعداً لتركيب أطراف صناعية.
تنتشر مقابر للمجندين اليمنيين في عدد من المناطق الحدودية، وتقول بعض المصادر إنها تضم رفات الآلاف، بعضهم علم أهاليهم بمقتلهم، أما الآخرون فلا.
وتستقبل أرياف تعز مئات القتلى، إما جثثاً أو مجرد أخبار حين يتعذر نقل الجثث، وفي المقابل ما زال سماسرة التجنيد منتشرين في قرى المدينة، حيث يحصل السمسار في الأرياف على مبلغ لا يزيد على ألف ريال سعودي للشخص، بينما يحصل السمسار الوسيط على مبلغ أعلى، وتستمر التراتبية حتى القيادة الكبرى في ما وراء منفذ الوديعة.
تنتشر مقابر للمجندين اليمنيين في عدد من المناطق الحدودية، وتقول بعض المصادر إنها تضم رفات الآلاف
أسوأ ما يحدث أن كثراً من الشباب يؤخَذون مباشرة إلى الجبهات من دون تدريب، ويتم تقديمهم كطُعم للألغام والقناصة المنتشرين من جهة سيطرة الحوثيين، وكثر من هؤلاء دون السن القانونية.
يغادر الشباب اليمن صوب الحدود السعودية طمعاً بالأموال، إنما تنتهي بهم الحال أشلاء تنهشها الضواري من الحيوانات والطيور في الجبال الوعرة، فيما مئات منهم يرقدون في قبور غير معروفة في تلك الأراضي، فيما المحظوظون يحصلون على قبور معروفة في المقابر المتناثرة هناك.
يغري السماسرة المجندين بأن هناك إجازات كل ثلاثة أشهر، وحين يصلون إلى أرض المعركة يرفض قادتهم منحهم إجازات قبل سنة، وقد زج بعشرات المجندين في السجون، وتم التحقيق معهم وترحيلهم بعد سجنهم لأشهر، بتهمة مخالفتهم نظام الإقامة ثم تم ترحيلهم كمجهولين.
لم يتغير شيء على تلك الجبهات، فما زالت الحرب قائمة، وما زال الحوثيون في مواقعهم، وما زال نزيف الشباب في تلك الأراضي مستمراً، ولا أحد يأبه لمصير أحد، فالقاتل يمني، والمقتول يمني، والبقية مجرد متفرجين على المشهد.
المصدر/ غمدان اليوسفي – صحافي يمني- درج