صلاح السقلدي: السعودية ومأزق الرد على الهجوم الذي طاول شركة أرامكو
الجنوب اليوم | صحافة
صلاح السقلدي
الهجمات القوية الأخيرة على منشآت شركة أرامكو النفطية السعودية وضعت المملكة في حيرة من أمرها بشأن تحديد الجهة التي نفذتها والموطن الذي انطلقت منه الطائرات المهاجمة.
فلو كان الهجوم محدودا أو طاول منشأة غير أرامكو – كما يحدث لها بشكل شبه يومي في حدها الجنوبي،ولم يكن بالعمق السعودي لكانت السعودية سمّــتْ الجهة المهاجمة بسهولة كما تفعل دوما عبر بيان عسكري يندد ويتوعد ويحمّــل الحركة الحوثية ” أنصار الله” المسئولية المباشرة ومن خلفها إيران، ولمرَّ الأمر مرور الكرام كما يحدث كل مرة, ولكن هذه المرة ولأن الهجوم كان كبيرا للغاية يصعب مداراته،وضـــرَبَ فخـــــر الصناعة النفطية السعودية ودُرّة تاجها، بل تاج الاقتصاد السعودية برمته “شركة أرامكو” وبلغ العمق الجغرافي السعودي ،فقد رأت السعودية أن تحميل الحوثيين المسئولية سيضعها بموقف محرج للغاية أمام الداخل والخارج بسبب جسامة الهجوم ووطأته والمسافة الطويلة التي قطعتها الطائرات المهاجمة. حيث بدأت بالفعل تساؤلات منطقية تطرح نفسها بقوة عن سبب فشل الدفاعات الجوية السعودية” صواريخ باتريوت الأمريكية” بصد هجمات طائرات مسـيّـــرة متواضعة التقنية والتصميم اجتازت مئات الكيلومترات دون أن تحرّك هذه الصواريخ ساكناً، وهو بالـتأكيد يمثّــل فشلاً عسكريا بل قُــل فضيحة عسكرية من العيار الثقيل للسعودية وللولايات المتحدة على السواء، ولذا كان لابد من البحث عن جهة أكبر حجماً وأكثر قوة من الحوثيين يتم نسب العملية لها ، وهي هنا بحسب الإعلان السعودي والأمريكي إيران بشكل مباشر ،وليس بواسطة الحوثيين كما درجتْ المملكة أن تعلنه.
هذا التحرّج السعودي وتوجيه أصابع الاتهام الى إيران مباشرة وجدت فيه الإدارة الأمريكية وإسرائيل ضالتهما السياسية والإعلامية وربما العسكرية، لإذكاء نيران التوتر بالمنطقة من جديد- خصوصاً بعد الهجمات التي تعرضت لها اسرائيل بالأيام الماضية من قِــبلِ حزب الله اللبناني، و لحمل السعودية على إبرام مزيدا من صفقات السلاح مع واشنطن، سيما مع دخول روسيا الخصم اللدود لواشنطن على خط الصفقات المقبلة على لسان رئيسها “فلاديمير بوتن” الذي عرَضَ يوم أمس الأول على السعودية بيعها صواريخ الدفاع الجوي الروسية المتطورة أس 400، كما أن تحميل إيران المسئولية سيخفف عن واشنطن حجم فضيحة صواريخها “الباتريوت” جرّاء فشلها الذريع بمواجهة طائرات بدائية الصنع تنطلق في وضح النهار من فوق رؤوس بطاريات هذه الصواريخ وراداراتها الخرافية- أو هكذا تأمل واشنطن والرياض أن يتم احتواء هذا الفشل، وصرف الأنظار بعيدا عن أسبابه وتداعيته.!
فالسعودية التي وضعتها هذه الحرب – وهذه الهجمات تحديدا- أمام مسالكٍ متشعبة ودروب متعرجة سيبلغ مأزقها ذروته بعد إعلان نتيجة التحقيق النهائي الذي وعد بِه يوم الاثنين الماضي المتحدّث باسم التحالف” العقيد المالكي”، فأن هي أي السعودية أكدت مسئولية إيران عن إطلاق الطائرات من أراضيها أو حتى من أرض دولة أخرى كالعراق مثلا أو من أي مكان آخر، فأن المملكة ستكون مُـطالبة من الداخل ومن حلفاءها وبالذات أمريكا واسرائيل بالرد العسكري مباشرة على إيران وضرب طهران وليس ضرب صنعاء كما عودتنا في مثل هذه الحالات. هذا الرد المفترض الذي ستجد السعودية نفسها مطالبة بالقيام به وفق المبدأ العسكري: الرد على مصادر النيران مباشرة، سيجعلها في وضع حيص بيص ،فأن هي فعلت – وهو أمر مستبعد- فستضع نفسها في عين العاصفة، وتجعل المنطقة على فوهة بركان ثائــــر لا يُـــبقي ولا يذر من آبار النفط والمدن الحديثة والمصالح الحيوية شئيا، ولا من الحجر والبشر . و إن هي أحجمتْ عن الرد فستبدو بمظهر الخائف وتضع بالتالي سمعتها ومصداقيتها على المحك، وكذلك ستكون سمعتها ومصداقيتها في حال أن تحاشى التقرير النهائي أي اتهام صريح لإيران، أو تخلى عن لهجة الانتقام التي بدأ بها الإعلام السعودي منذ الساعات الأولى للهجوم. !
المصدر/ رأي اليوم