عبث متجدد.. القصة الكاملة لمحاولات الإمارات ابتلاع سقطرى
الجنوب اليوم | الخليج أونلاين
مرَّة جديدة تتفجّر الأزمة بين الإمارات والحكومة اليمنية، ضمن الخلافات الجديدة القديمة بينهما، والتي كانت سقطرى أبرزها منذ سنوات.
ولم تكن هذه المرَّة الأولى التي تُتهم فيها الإمارات باستهداف سيادة البلاد في سقطرى، فقد شهد الأرخبيل (شرق) اتهامات متبادلة وتوترات كبيرة، كان أبرزها في مايو 2018، إثر إرسال أبوظبي قوات عسكرية إماراتية سيطرت على المطار والميناء، دون إذن من السلطات المركزية والمحلية اليمنية.
وكالمعتاد، بينما تفتعل أبوظبي المشكلات والحرائق في المناطق التي تقع تحت سيطرة الشرعية اليمنية، تسارع السعودية إلى إرسال لجان للوساطة وإنهاء الخلافات، تنتهي غالباً دون حلول نهائية.
أزمة جديدة
ما إن تنتهِي أزمة في أرخبيل سقطرى حتى تفتعل أبوظبي أخرى، وهذه المرة بعدما أعلن محافظها، عن قيام القوات الإماراتية بالجزيرة بتهريب عدد من الممنوعين من السفر على ذمة قضايا أمنية عبر طائرة إماراتية خاصة.
وأكد محافظ سقطرى، رمزي محروس، في رسالة للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي في 14 ديسمبر 2019، أن عناصر إماراتية اقتحمت مطار سقطرى بالقوة، وتمكنت من تهريب مطلوبين بتهم إقلاق الأمن والدخول بدون تأشيرة رسمية.
وأضاف “محروس” في رسالته أن عملية الاقتحام والتهريب جاءت على الرغم من أن حراسة المطار تتولاها القوات السعودية وقوة من اللواء أول مشاة بحري، وصدور توجيه من السلطة بمنع أي اقتحام، وتطبيق القانون.
واتهم محافظ سقطرى القوات الإماراتية باتخاذ الغطاء الإنساني لنشر الفوضى في المحافظة بمساندة عناصر من سقطرى موالية لها.
وكان محافظ سقطرى أصدر، في أكتوبر الماضي، قراراً بمنع دخول الأجانب إلا بتأشيرة رسمية؛ ما أثار حفيظة الإمارات، التي يدخل مواطنوها والعاملون لدى شركاتها دون فيزا أو تنسيق مع سلطات سقطرى.
محاولة للسيطرة على سقطرى
ولم تكن هذه الحادثة إلا ضمن سلسلة حوادث لا تتوقف من الإمارات، ففي 30 أكتوبر 2019، حاصر مسلحون تُموِّلهم الإمارات مقر السلطة المحلية بالمحافظة، بهدف إسقاط السلطة الحكومية هناك.
مصدر محلي لـ”الخليج أونلاين” قال إن عناصر يتبعون “المجلس الانتقالي الجنوبي” نصبوا خياماً أمام مقر السلطة المحلية في حديبو سقطرى، واعتدوا على مواطنين داعمين للسلطة المحلية.
وذكر المصدر أن المسلحين رفعوا لافتات وشعارات تطالب برحيل المحافظ رمزي محروس، وقيادة السلطة المحلية، على خلفية وقوفه ضد التحركات الإماراتية في الجزيرة، قبل أن تعطيهم السلطة المحلية مهلة لرفع خيامهم وهو ما حدث لاحقاً.
وجاءت هذه التحركات بعد أيام فقط من رفض المحافظ السماح بدخول سفينة إماراتية تحمل مساعدات، قبل تفتيشها، وهو ما اضطر طاقم السفينة إلى الانصياع بعد أيام من رفضهم التفتيش.
كما أجبرت قوات الأمن بسقطرى طائرة إماراتية، في 26 أكتوبر، على مغادرة مطار الجزيرة، بعدما رفضت السماح بدخول موظفين أجانب يتبعون مؤسسة خليفة الإماراتية، دون حصولهم على فيزا دخول للمحافظة؛ وهو ما دفع أبوظبي إلى افتعال هذه الاحتجاجات.
إقالة مدير الأمن
جاء التحرك الجديد، بعد أقل من شهر من إطاحة الرئيس اليمني بمدير أمن أرخبيل سقطرى، أحمد علي الرجدهي، وسط اتهامات للأخير بالتواطؤ مع تحركات حلفاء الإمارات، التي تسعى لفرض نفوذها في الجزيرة منذ سنوات.
وأفادت وكالة الأنباء الحكومية اليمنية الرسمية “سبأ”، 3 أكتوبر ، بأن هادي أصدر قراراً جمهورياً بتعيين فائز سالم موسى طاحس سعد مديراً عاماً لشرطة محافظة أرخبيل سقطرى، ونص القرار على ترقيته إلى عميد.
ويتهم اليمنيون مدير الأمن المقال بالتنسيق مع مندوب الإمارات في الجزيرة، خلفان المزروعي، بما في ذلك سحب حراسات مبان، بالترافق مع تصعيد حلفاء أبوظبي لاحتلال مقار حكومية.
وجاء صدور القرار في أعقاب مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، ومحافظ سقطرى رمزي محروس، أطلع خلالها الأخير رئيس الوزراء على الأوضاع الأمنية في المحافظة.
وبعد الإقالة هاجمت مجاميع مسلحة تابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعوم إماراتياً، مقارَّ أمنية بالمدينة في محاولة للسيطرة عليها.
وأعلنت الحكومة اليمنية إحباط قوات الجيش والأمن التابع للحكومة تمرداً ضدها، مشيرة إلى أنها بسطت سيطرتها على مدينة “حديبو”، مركز جزيرة سقطرى في 4 أكتوبر، بعد ساعات من مهاجمتها.
وقال مصدر محلي لـ”الخليج أونلاين” إن جميع منافذ ومنشآت مدينة “حديبو” تحت سيطرة القوات الحكومية، باستثناء مقر مديرية الأمن الذي تسيطر عليه حالياً قوات “الانتقالي الجنوبي” التي نصبت نقطتين أمنيتين قربها ولا تزال تتمركز في المبنى.
ولفت المصدر إلى أن القوات الحكومية اليمنية المدعومة بأخرى سعودية، طالبت القوات المدعومة إماراتياً بالانسحاب من مقر مديرية الأمن، بالتزامن مع وساطة سعودية لإنهاء الخلافات.
وأعلنت شخصيات اجتماعية ومشايخ في المحافظة وقوفها إلى جانب الرئيس اليمني، ورفضها لما تقوم به الإمارات، داعية الحكومة إلى وضع حد لما وصفتها بـ”التجاوزات الخطيرة”.
المزروعي ينهب مولدات الكهرباء
وفي محاولتها لإفشال دور السلطة المحلية، وتهييج السكان ضدها، اقتحم مندوب الإمارات والمسؤول عن مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، خلفان المزروعي، مؤسسة الكهرباء بسقطرى في 10 سبتمبر الماضي، بصحبة عدد من عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي.
واتهم محافظ سقطرى، مندوب الإمارات “وأدواته” في الجزيرة بالاعتداء على مؤسسات الدولة بالمحافظة، والسيطرة على مولدات كهربائية.
وأشار إلى أنهم سيطروا على مولدات ومحولات كهربائية وسحبوها من المحطة، معتبراً ما يفعله المندوب الإماراتي و”أدواته” من الاعتداء على مؤسسات الدولة “سلوكاً مستهجناً ومرفوضاً”.
سقطرى وعدن.. تحركات متشابهة
منتصف أغسطس، سيطرت قوات المجلس الانتقالي على معظم مفاصل الدولة في عدن، بعد معارك ضارية دامت 4 أيام ضد القوات الحكومية، سقط فيها أكثر من 40 قتيلاً، بينهم مدنيون، و260 جريحاً، وحمّلت الحكومة اليمنية كلاً من المجلس الانتقالي والإمارات مسؤولية “الانقلاب” على الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن.
ويشعر اليمنيون بتخوف من أن يصبح مصير سقطرى كمصير العاصمة المؤقتة؛ لتشابه التحركات التي صاحبت سقوط عدن بيد الإمارات، حيث حاولت قوات الانتقالي أكثر من مرة السيطرة على المدينة، وعززت من تجنيد وتسليح عناصرها، كما عملت على محاربة الحكومة وإفشال الخدمات التي تقدمها.
وبينما كانت الإمارات تنفذ عدة انقلابات في عدن نجحت في آخرها، كانت السعودية تمارس دور الوسيط لإنهاء التوترات والمواجهات، وهو ما يبدو عليه الوضع حالياً في سقطرى.
في الأزمات السابقة، التي كان أبرزها في مايو 2018، عندما رفض رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد بن دغر مغادرة سقطرى قبل رحيل القوات الإماراتية، تدخلت السعودية كوسيط للأزمة، وتم الاتفاق على رحيل تلك القوات، لكن أبوظبي عززت من حضورها بعد ذلك بواسطة مليشيا محلية.
وفي الأزمة التي بدأت مطلع أكتوبر، تقول مصادر “الخليج أونلاين”، إن الوساطة السعودية بدأت بعملها عقب رفض الانتقالي تسليم مقر إدارة الأمن بسقطرى، مبدية تخوفها من أن تكون تلك الوساطات مجرد مهدئات مؤقتة، ومساعدة لتوسع القوات الموالية للإمارات.
وسبق أن اتهمت الحكومة اليمنية، خلال العام الجاري 2019، الإمارات بإرسال عشرات المقاتلين الانفصاليين إلى سقطرى من أبناء الجزيرة، بعد أن دربتهم في عدن، ووصل 100 مقاتل عبر سفن بحرية في مايو من نفس العام.
الإمارات لن تتوقف
يرى المحل السياسي اليمني عبد الرقيب الهدياني أن الإمارات لن تتوقف في محاولتها لابتلاع سقطرى؛ “لأنها منذ دخولها إلى اليمن وعينها عليها، لأهمية موقعها الجغرافي المطل على المحيط الهندي”.
وأضاف: “يتضح ذلك من خلال كم المحاولات التي أرادت من خلالها أبوظبي السيطرة على الجزيرة، والعمل على تجنيس أبناء المحافظة ومحاولات الاستقطاب الواسعة، التي لم تتوقف حتى اليوم”.
وأوضح، في حديثه مع “الخليج أونلاين”، أن الإمارات ستواصل السعي في خطتها إلا في حال “أغلقت الشرعية الباب نهائياً؛ بقرار حكومي وموقف جاد يخرج الإمارات من التحالف ويلغي وجودها فيه”، مضيفاً: “على الحكومة أن تخرج من دائرة الشكوى إلى إجراءات عملية لإخراج الإمارات لأنها أصبحت مشكلة كبيرة ويجب التخلص منها”.
وفيما يتعلق بالموقف السعودي، شن الهدياني هجوماً ضد الرياض، وقال إن مواقفها “لا ترتقي إلى المسؤولية من موقعها كرئيس للتحالف، وتقف موقف المتفرج، بل إنها تحولت إلى وسيط ولجان تهدئة وحل”، مشيراً إلى أن موقفها، الذي وصفه بـ”المخزي”، يمكن أن يرتقي إلى “التواطؤ وتبادل الأدوار مع الإمارات”.ويؤكد أن وقوف السلطة المحلية والعسكرية والأمنية بعد تغيير مدير الأمن، “هو الضامن الوحيد لمواجهة الإمارات في محاولتها السيطرة على المحافظة”.
سبب فشل الإمارات
ويشارك الناشط السياسي السقطري عبد الله بدأهن، الهدياني في رأيه فيما يتعلق بوساطات السعودية، وقال إن دور الوساطة الذي تقوم به المملكة “يعتبر بمنزلة استراحة المحارب والفرصة المتكررة لترتيب الأوراق وكسب الوقت لمزيد من التصعيد والحشد والتكتل من قبل أبوظبي”.
وأضاف، في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: “الإمارات في كل مرة تكرر افتعال العراقيل، وتتعمد في كل مرة عرقلة دور السلطات الشرعية وقرارات الدولة، عبر أدواتها المتمثلة بالانتقالي ومرتزقتها المنتفعين، والسعودية للأسف تتجاهل تلك التحركات”.
وعن السبب الرئيسي في إفشال مخطط الإمارات لابتلاع سقطرى، يقول بدأهن: “رفضُ أبناء سقطرى تدخلات الإمارات هو الذي أسقط تحركاتها وأفشلها”، موضحاً: “رغم الاستقطاب الشديد الذي تقوم به الإمارات، وشراء الذمم والولاءات، والإغداق اللامتناهي في العطاء، غير أنها تخرج كل مرة خاسرة ومكشوفة”.
وأضاف: “دور الشخصيات الاجتماعية والمشايخ في سقطرى إلى جانب السلطة المحلية، أسهم في وقف أطماع الإمارات، ولم تستطع محاولات الإمارات أن تنال من وطنيتهم وحرصهم على الوفاء للدولة”.
لماذا تتجه عين الإمارات إلى سقطرى؟
تعد جزيرة سقطرى تراثاً إنسانياً عالمياً، وتحتل موقعاً استراتيجياً تلخصه مقولة مشهورة: “من يسيطر على سقطرى يتحكم عسكرياً وتجارياً بمفاتيح البحار السبعة الرئيسة في العالم”؛ لأنها تمثل نقطة التقاء بين المحيط الهندي وبحر العرب.
ويمكن لأي دولة تمتلك قاعدة عسكرية في سقطرى أن تصبح المسيطرة على طريق مضيقي هرمز وباب المندب، الذي بدوره يؤثر في الملاحة في قناة السويس ومضيق ملقا، الذي يفصل بين إندونيسيا وماليزيا.
لذلك كانت محل طمع من قبل القوى المهيمنة على العالم؛ فاحتلتها البرتغال عام 1507، وبريطانيا 1893، وروسيا من خلال حضور الاتحاد السوفييتي في جنوبي اليمن، في النصف الثاني من القرن العشرين.
وتصنف سقطرى بين أهم أربع جزر في العالم من ناحية التنوع الحيوي النباتي، وتعتبر موطناً لآلاف النباتات والحيوانات والطيور، منها 13 نوعاً لا يوجد في أي مكان آخر في العالم، كما تشير دراسة لمنظمة حماية الطيور الدولية.
ولهذه الأهمية الاستراتيجية لسقطرى، وجدت الإمارات نفسها أمام فرصة نادرة لتفوز بالجزيرة تحت لافتة إعادة إعمار سقطرى، في مطلع عام 2016.