حروب الإصلاح في الجنوب.. تعددت المعارك والغطاء واحد
الجنوب اليوم | خاص
منذ العام 1990 توزعت مصالح الإصلاح بين صنعاء وعدن، ففي الشمال يرى الإصلاح إن مصالحه سياسية فقط بينما في الجنوب هي اقتصادية وهي من يجب خوض حروب عسكرية لأجلها وهذا ما يفسر سبب تركيز الإصلاح في معاركه على الجنوب أكثر منها في الشمال ضد الحوثيين
قبل ٢٦ عاماً من اليوم اعتبر الإصلاح عبر فتاوى الديلمي والزنداني الوصول إلى عدن أنها اقرب الطرق للجنة، وعندما سقطت قاعدة العند تحت سيطرة قوات نظام ٧/٧، اعتبر الاصلاح سقوطها معجزة إلهية وزعم ان جنوداً من السماء نزلوا لقتال أبناء الجنوب اللذين لم يحارب سوى ١٥% منهم حينذاك، وعندما سقطت عدن أحل النهب والسلب، واشترط إحلال مليشياته في مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة وإقصاء موظفي الجنوب حينذاك.
اليوم يدفع الإصلاح بالآلاف من مليشياته المسلحة نحو مدينة شقرة في محافظة أبين استعداداً للاجتياح الثاني لعدن متذرعاً بغطاء الشرعية ومستخدماً اتفاق الرياض كأداة لمعركة النفوذ التي يقودها في الجنوب والتي تمكن فيها من السيطرة على شبوة النفطية والتي أصبحت تدار من تركيا.
يتبين من ذلك مدى وجود العديد من القواسم المشتركة والتفاصيل والأهداف المتشابهة بين معركتي الإصلاح ضد عدن في 94 و2020 ففي كلا المعركتين حارب الإصلاح تحت غطاء دولة تربطه بها المصالح السياسية والاقتصادية وباسم “الشرعية”، في 94 حارب الإصلاح كحليف استراتيجي للرئيس السابق علي عبدالله صالح وتحت عنوان “الشرعية الدستورية”، واليوم يقاتل كحليف لهادي وتحت عنوان “الشرعية”.
كما وضف الإصلاح الجانب الديني لتحقيق مصالحه وشرعنة استيلائه على الجنوب وثرواته ومقدراته، ففي حين استخدم التحريض الديني ضد أبناء الجنوب كالفتاوى التحريضية التي اتاحت له قتل النفس المحرمة واستباحة ممتلكات المواطنين والممتلكات العامة، هاهو يكرر التجربة ذاتها اليوم عبر استقدام المليشيات الإرهابية العقائدية إلى شبوة تمهيداً لاقتحام عدن من جديد.
ولا تختلف كثيراً أهداف معركة الإصلاح في الجنوب في 94 عن أهداف معركته اليوم، ففي 94 حارب الإصلاح واجتاح عدن للحصول على مكاسب اقتصادية بحتة، واليوم يعمل الإصلاح على الحفاظ على هذه المكتسبات التي حققها والمتمثلة في الإبقاء على بسط نفوذه على نفط شبوة ونفط حضرموت والإبقاء على الحق الحصري له في حماية نفط حضرموت لما يعود به ذلك من أموال لقاء هذه الحماية.
ولم يكتفِ الإصلاح بما فعله في 94 فقط بل استمر في زرع خلاياه داخل الجنوب محاولاً التأثير على القرار الجنوبي السياسي وقد تمكن من تحقيق ذلك، ومنذ ما بعد 94 وحتى 2014 لم يصدر قرار يتعلق بالشأن الجنوبي اقتصادياً أو سياسياً إلا وكان للإصلاح فيه نصيباً لا بأس به وذلك يعني أن الإصلاح حاول توظيف خلاياه وشبكته العنكبوتية التي زرعها في مفاصل الجنوب لتمرير مصالحه وحمايتها إلى ما قبل الحرب والحصار على اليمن في 2015.
ولعل الشواهد على تجيير الإصلاح للجنوب لصالحه كثيرة ليس أقلها؛ استغلاله لمنصب محافظ عدن بعد 2011 والذي من خلاله تمكن من السيطرة على مفاصل السلطة المحلية هناك، وبهيمنته على وزارتي الداخلية والدفاع بعد 2011 تمكن الإصلاح من تطويع قطاعي الجيش والأمن شمالاً وجنوباً لصالح حماية وتوسيع نفوذه في المحافظات الجنوبية بشكل أكبر مما كان عليه الحال بعهد صالح.
وبعد 2014 وضع الإصلاح نصب عينيه أهدافه في المحافظات الجنوبية وحمايتها والقتال من أجلها أكثر حتى من مصالحه في صنعاء، وذلك لا يعني عدم وجود مصالح له في الشمال، بل بالعكس فقد توزعت مصالح الإصلاح بين صنعاء وعدن، ففي الشمال يرى الإصلاح إن مصالحه سياسية فقط بينما في الجنوب هي اقتصادية وهي من يجب خوض حروب عسكرية لأجلها وهذا ما يفسر سبب تركيز الإصلاح في معاركه على الجنوب أكثر منها في الشمال ضد الحوثيين.
فبعد حرب التحالف فقد الإصلاح مصالحه في المحافظات الشمالية لكنه لم يفقدها في المحافظات الجنوبية ويحاول الحفاظ عليها قدر الإمكان ولهذا سعى إلى فرض حضوره في شبوة والمهرة وعزز من وجوده العسكري في حضرموت.
إن مصالح الإصلاح الاقتصادية في الجنوب كثيرة جداً ومعظمها غير ظاهرية وتعمل بعناوين وأسماء لشخصيات جنوبية، شركات عقارات، اتصالات، نقل، بترول، خدمات نفطية، مدارس، كليات وجامعات أهلية، شركات أمنية، مستشفيات، وإلى آخر ذلك، وجميعها عبارة عن مؤسسات واستثمارات يملكها قيادات سياسية وعسكرية وقبلية تابعة للإصلاح بعقود في الباطن.
وليس ذلك فحسب بل حاول الإصلاح شراء ولاءات القيادات الجنوبية لضمان عدم تمردها عليه وإبقائها تحت سيطرته، فكان ذلك واضحاً من خلال تحالفاته مع بعض القيادات الجنوبية التي عمل على تقديم الدعم والإسناد لها وإغرائها بالأموال والمناصب والتعيينات التي وظف فيها الإصلاح أحد أهم عناصره خلال الخمس السنوات الماضية وهو عبدالله العليمي مدير مكتب الرئيس هادي، الذي من خلاله استطاع الإصلاح التأثير على قرارات هادي وخداع الجنوبيين وقياداتهم ببعض التعيينات بمقابل تمرير سياسته وأجندته الخفية.