الرياض تُجبر الإصلاح على طأطأة رأسه أمام جناح عفاش الصاعد للسلطة
الجنوب اليوم | تقرير
ليست صدفة أن يظهر قيادي بارز في حزب الإصلاح (تنظيم الإخوان المسلمين فرع اليمن) على شاشة قناة ألد خصومه في الساحة السياسية اليمنية خلال السنوات الـ12 الماضية، قناة (اليمن اليوم) المملوكة لجناح عفاش في حزب المؤتمر والتي تموّلها الإمارات وتبث من العاصمة المصرية القاهرة.
وليس شوقي القاضي شخصية عادية في حزب الإصلاح يمكن القول إن من الطبيعي أن يظهر على قناة اليمن اليوم وهو أحد أبرز الشخصيات السياسية الإخوانية غير المرغوب فيها بل يكاد يكون أحد الشخصيات المعدودين داخل الإصلاح ممن يصفهم خصومهم بالمؤتمر بأنهم قمؤون وممقوتون، بالتالي فإن ظهور القاضي وهو العضو في برلمان الشرعية عن حزب الإصلاح، على قناة اليمن اليوم ليس صدفة بل قد لا يكون عن رغبة وقناعة لا من القاضي والإصلاح ولا من القناة التابعة لجناح عفاش بالمؤتمر المدعوم هو الآخر من الإمارات، ففيما يبدو هناك طرف خارجي هو من أجبر القاضي على الظهور على قناة جناح عفاش بالمؤتمر وهو أيضاً الطرف الذي أجبر القناة ومن يقف خلفها على استضافة القاضي.
نقول ذلك لأن ما ورد من تصريحات للقاضي في هذا اللقاء، ليست تصريحات عادية، وحملت معها كماً كبيراً من النقاط المثيرة للجدل والتساؤلات عن سبب انقلاب موقف الإصلاح 180 درجة تجاه المؤتمر وتحديداً أبناء عفاش ابتداءً وتجاه زعيمه السابق علي عبدالله صالح ثانياً وتجاه أحداث 2011 وتحديداً جمعة الكرامة ثالثاً، ولماذا جاءت هذه التصريحات وعلى قناة (عفاش) في هذا التوقيت بالذات وقبيل أيام قليلة من انعقاد مشاورات الرياض التي تريد السعودية منها جمع فرقاء الشرعية الموالين للتحالف لعقد مشاورات – صُورية إن صح التعبير – غرضها صبغ طابع توافقي يمني على ما تم التوافق عليه مسبقاً بين الإمارات والسعودية على تشكيل شرعية جديدة يتم فيها تنحية هادي جانباً وإخراج الإصلاح من الساحة السياسية أو على الأقل إجباره على قبول ما يُرسم له من دور ثانوي خلال المرحلة المقبلة وإجباره على قبول حقيقة أن نظام عفاش السابق سيعود من جديد للسلطة وعلى الإصلاح أن يتقبل ذلك وأن يتقبل أيضاً تبعات هذه العودة من مصالح قد يفقدها ومناصب وامتيازات.
أبرز ما قاله القاضي ودلالات كل عبارة
قال شوقي القاضي في اللقاء مع قناة اليمن اليوم الممولة من الإمارات إن “من ارتكب جرائم جامع الرئاسة وجمعة الكرامة وساحة الحرية في تعز أطراف ثالثة كانت تريد أن تفجر الوضع بين الشباب والأحزاب المؤيدة لهم في الساحات من جهة، وبين صالح والمؤتمر الشعبي العام من جهة مقابلة”، وفي هذه الفقرة تلميح بأن المؤتمر والإصلاح أساساً هم على وفاق وأن ما حدث في 2011 هو نزغ من الشيطان (الطرف الثالث المزعوم) للتفريق بينهما، بمعنى أن الإصلاح ومن خلال تصريحات القاضي بقناة المؤتمر الإماراتية يهدف للتمهيد لأنصاره لما سيحدث مستقبلاً من تحالف بين الإصلاح وبين المؤتمر جناح عفاش ولا يبدو أن هذا التحالف يأتي برضى الطرفين بل مجبرين على قبوله لأن هذه رغبة أولياء النعمة والرعاة الخليجيين.
وساق القاضي العديد من عبارات المديح بحق علي عبدالله صالح، حيث قال إن “الرجل – أي صالح في 2011 – ضبط نفسه وصان الدماء وكان سبباً جوهرياً في سلامة المسار اليمني في تلك المرحلة”، عبارات كهذه يعتقد المستمع إليها بأنها صادرة عن سلطان البركاني وليست عن شوقي القاضي الذي كان ينزل في صالح سباً وشتماً واتهامات ليل نهار منذ أحداث 2011 وما تلاها من سنوات إلى ما قبل أسابيع قليلة.
بين فبراير 2011 وفبراير 2022 تغيرت المعادلات والأعداء أصبحوا أصدقاء
قال القاضي بهذا الشأن إن فبراير 2011 لم يعد فبراير 2022، معتبراً أن “الأطراف والمعادلات تغيرت، وبات الجميع يواجه عدواً واحداً، ولن نحتفل سوى بسبتمبر وأكتوبر ومايو لأنها القاسم المشترك…”، في دلالات واضحة على أن الإصلاح يتجه نحو العودة إلى حضن عائلة عفاش والمؤتمر التابع للإمارات رغم كل ما قد قاله الإصلاح عن عفاش وحزبه طوال السنوات الماضية.
بل إن أحداث 2 ديسمبر 2017 التي كان قادة الإصلاح يدّعون أنها أتت استجابة من الله لدعواتهم بالقول “اللهم أهلك الضالمين بالضالمين وأخرجنا منهم سالمين” وصالح نفسه الذي كان يقول عنه الإصلاح بعد مقتله في 4 ديسمبر من العام ذاته بأنه لا يستحق الرحمة وأنه لا يجوز الترحم عليه وأنه يستحق ما حدث له، اليوم يقول أبرز قيادات الإصلاح وأحد أصحاب تلك التصريحات السابقة بأن 2 ديسمبر 2017 كانت ثورة كاملة الأركان وأن صالح كان قائدها، بل يقول القاضي بأنه سيحتفل بذكرى 2 ديسمبر.
ربما يرى الإصلاح إن أحد العوائق الأخلاقية التي تواجهه أمام عودة التحالف مع جناح المؤتمر التابع لعفاش والإمارات، هو ملف جمعة الكرامة 18 مارس 2011، إذ كيف سيبرر الإصلاح تحالفه مع جناح عفاش بالمؤتمر وهو الذي يسوق لأنصاره ولليمنيين طوال السنوات الماضية بأن عفاش وحزبه أول أعداء اليمن وأن هذا التيار اليمني ارتكب مجازر بحق اليمنيين أثناء حكمه وأثناء مواجهته ثورة 2011 منها مجزرة جمعة الكرامة، وأن السماح بعودة المؤتمر للسلطة يعني خيانة لثورة 2011 ضد نظام صالح وغيرها وغيرها من العبارات التي ساقها الإصلاح بخصوص المؤتمر طوال الأعوام الماضية سواءً قبل الحرب أو أثناءها، ملف جمعة الكرامة واحد من أهم الملفات التي تجعل عودة الإصلاح للتحالف مع عائلة عفاش وجناح المؤتمر التابع للإمارات تعتبر جريمة أخلاقية ووصمة عار لن يستطيع الإصلاح تبريرها أو الرد عليها، غير أن الحزب المتلون والمتقلب في مواقفه وتوجهاته كما عهده الجميع منذ ستينات القرن الماضي وحتى الآن لا يجد حرجاً في استخدام عبارة الضرورات تبيح المحضورات لتبرير عودته للتحالف مع من كان يزعم أنهم خصومه سابقاً وهو (المؤتمر جناح الإمارات وعفاش)، ولهذا لم يكن من الغريب أن يقول شوقي القاضي في مقابلته مع قناة (اليمن اليوم) التابعة لجناح عفاش بالمؤتمر بأن “من الغباء فتح ملفات جمعة الكرامة وحادثة دار الرئاسة اليوم، هناك عدو واحد يتربص بالجميع، اقولها اليوم لأنصار المؤتمر ولأنصار شباب الثورة واللقاء المشترك والإصلاح وغيره إن من الغباء والسخف وخدمة الحوثي أن تفتح هذه الملفات في هذه المرحلة، ويجب تأجيلها وبعد ذلك كل فريق يحتفظ بحقه في التقاضي”.
الخلاصة: تصريحات القاضي بقناة المؤتمر تُمهّد لسيناريو مشاورات الرياض ونتائجها
يبدو أن مشاورات الرياض – التي ستكون شكلية – وضعت الإصلاح أمام خيارين، إما الخروج من المشهد السياسي، أو القبول بأن يبقى الإصلاح في المشهد السياسي ولكن ليس بنفس الصيغة السابقة، أي أن يقبل الإصلاح بدخول جناح عفاش في حزب المؤتمر التابع للإمارات إلى الساحة والقبول بأن يُمنح هذا الفصيل الدور القيادي والأبرز في (الشرعية الجديدة) التي يبدو أيضاً أن السعودية والإمارات اتفقتا على صيغتها من الآن وأن المشاورات فقط إنما لتغليف هذه الشرعية الجديدة للزعم بأنها أتت بناءً على ما خرج به المتشاورون في الرياض، وإذا لم تكن كذلك فلماذا إذاً يقول أمين عام مجلس التعاون الخليجي أن المشاورات في الرياض ستُعقد بمن يحضر؟ وهو ما يعني أن مخرجات هذه المشاورات جاهزة من الآن مثلما كانت قبلها مخرجات اتفاق الرياض جاهزة مسبقاً وكانت مفاوضات الانتقالي والشرعية شكلية، وبما أن تصريحات شوقي القاضي على قناة اليمن اليوم نسخة القاهرة جاءت بهذا الشكل فهذا يعني أن الإصلاح اختار الخيار الثاني.