عودة العليمي إلى حضرموت.. الدوافع الحقيقية للسعودية والتداعيات الداخلية
الجنوب اليوم | تقرير
مثلت عودة رشاد العليمي رئيس المجلس القيادي إلى حضرموت نكسة جديدة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي سبق أن هدد وأرعد بمنع عودة الرجل وإن كان ذلك التهديد لم يصدر بشكل رسمي.
والحقيقة أنه يصطلح على عودة العليمي لحضرموت كلمة (إعادته إلى حضرموت) كون أمر الإعادة وقرار اختيار حضرموت ليس بيده ولم يكن له ذلك أساساً، فالقرار جاء من السعودية التي هدفت لتحقيق أكثر من هدف من خلال هذه الخطوة منها ما هو متعلق باستراتيجيتها بشكل عام جنوب اليمن ومنها ما هو متعلق بالمجلس الانتقالي الجنوبي.
فيما يتعلق بالاستراتيجية السعودية، يرى مراقبون أنه ما من شك أن الرياض تسعى لبسط المزيد من نفوذها على حضرموت على حساب الإمارات والموالين لها الذين كانت أبوظبي قد بدأت بشراء ولائهم مؤخراً وضخت في سبيل ذلك ملايين الدولارات لتقطع السعودية الطريق عليها بحشد الموالين لها من قيادات المحافظة وزعمائها القبليين واستضافتهم في الرياض أكثر من شهر ليخرجوا بإعلان مجلس صاغت مضامينة السعودية كما صاغت قبل ذلك مضامين إعلان تنحي هادي وتشكيل مجلس قيادة رئاسي بديل.
بسط النفوذ السعودي أو بالأحرى توسيع هذا النفوذ سيكون هذه المرة بأداة جديدة هو رشاد العليمي الذي أعادته الرياض بوفد من قبلها إلى حضرموت في رسالة واضحة أن الرجل “سيعمل لحسابنا لا لحساب الإمارات” وعلى الانتقالي وقف أي محاولات بدفع إماراتي للنفوذ والتمدد نحو حضرموت، ولن يقتصر الأمر على حضرموت فقط.
التداعيات على الانتقالي تتجاوز حضرموت
ويرى مراقبون إن تداعيات إعادة الرياض للعليمي إلى حضرموت لن تقتصر فقط على قطع دابر الانتقالي وأي تحركات له في هذه المحافظة الغنية بالنفط، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد من حضرموت.
فالعليمي سيعمل من الآن وصاعداً ضد الانتقالي أو بالأحرى ضد أي تمدد للانتقالي في حضرموت وذلك بضوء أخضر وصلاحيات واسعة ممنوحة للرجل من قبل السعودية التي تعمدت أن تعيد العليمي برفقة وفد سعودي رفيع وبطائرة خاصة سعودية، لكن وفق مراقبين فإن إبعاد الانتقالي عن حضرموت سيكون له ما بعده، إذ لن يقتصر الأمر على حضرموت فقط بل ستدفع السعودية نحو إبعاده أيضاً عن شبوة، الأمر الذي يعني أن السعودية عازمة على تحييد الانتقالي وبالتالي تحييد الإمارات عن السيطرة على مناطق الثروة وهو ما سيجعل الانتقالي تابعاً أكثر للسعودية بحكم تحكمها بالثروة التي تدر الأموال التي تمول الرياض بها الأطراف الموالية لها وبسببها تتحكم بهم.
دور العليمي الوظيفي بحضرموت
أكثر من مهمة ودور وظيفي على العليمي تأديته في حضرموت، لعل أبرز مهمة منح الوجود العسكري الأجنبي في حضرموت غطاء محلياً، شكليا في الأصل، لتوسيع هذا النفوذ والسيطرة، ولعل الدليل على ذلك الاجتماع الذي عقده محافظ حضرموت قبيل وصول العليمي والمشرفين السعوديين عليه إلى المكلا، والذي ناقش فيه مبخوت بن ماضي مع مسؤولين بالسلطة المحلية الترتيبات لعودة العليمي وإقامته في المكلا، غير أن اللافت هو عقد بن ماضي لقاءً مع إدارة مطار الريان الدولي في المكلا والذي تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لقواتها المتواجدة بحضرموت، ولا تزال كذلك حتى اللحظة.
بن ماضي يبدو انه أعطى مسؤولي المطار التوجيهات التي تلقاها من السعوديين الذين تسلموا مؤخراً مطار الريان من الإماراتيين الذين حوّلوه إلى قاعدة عسكرية مغلقة منذ منتصف ٢٠١٦ حتى اليوم، هذه القاعدة تم السماح من قبل التحالف قبل أسابيع بفتح جزء صغير منها لاستخدامه للرحلات الداخلية فقط، وقد كان هذا الفتح تحاشياً لوقوع التحالف في موقف محرج إذ كيف خضعت الرياض لصنعاء وفتحت جزئياً مطار صنعاء للرحلات الخارجية والمطارات الخاضعة لسيطرتها جنوب اليمن والتي تسميها مناطق محررة لا تزال مغلقة ويمنع التحالف على اليمنيين استخدامها فكان قرار الرياض الذي اتخذته على مضض بفتح مطار الريان بالمكلا للرحلات الداخلية فقط رغم أن المطار في الأساس مطار دولي.
الواضح أن هناك ترتيبات على مستوى عالي بشأن بقاء القوات الأجنبية في قاعدة مطار الريان، والتي سبق أن كشفت تحقيقات صحفية أن تجهيزات ضخمة وإنشاءات تحت أرض المطار داخل المنطقة المغلقة التي يتمركز فيها الأمريكيون تحت عنوان مكافحة الإرهاب، تمت وجرى تجهيزها بما يجعل هذه الإنشاءات التحت أرضية منطلق قيادة عمليات وغرفة قيادة وسيطرة وعمليات قد لا تكون داخل اليمن فقط بل قد تشمل أيضاً مناطق أخرى محيطة كالبحر العربي أو المحيط الهندي.
والواضح أيضاً أن المحافظ بن ماضي والذي يعمل تحت قيادة رشاد العليمي يؤديان دوراً وظيفياً لا علاقة لا لليمنيين ولا حتى لمجلس القيادة الرئاسي أي ارتباط بهذه الأدوار التي سيتضح قريباً أنها فقط لخدمة وتذليل مهام القوات الأجنبية والأمريكية والسعودية، وهذه المهام بالتأكيد ستكون محمية أمام المجتمع الدولي بغطاء ما تسمى الشرعية أو المجلس القيادي.
سقوط آخر آمال البحسني بعودة نفوذه لحضرموت
إلى جانب ما سبق فإن إعادة الرياض للعليمي إلى حضرموت سيمثل ضربة لفرج البحسني ويقضي على آخر أمل له في استعادة نفوذه الذي فقده في حضرموت بعد إبعاده من منصب كرسي المحافظة وكرسي المنطقة العسكرية الثانية ولم يتبق له الآن سوى عض يته بمجلس القيادة المشكل سعوديا.
وحتى هذا المنصب فإن تأثير البحسني فيه أصبح منخفضاً بسبب ذهاب البحسني للاصطفاف مع الانتقالي والقبول بمنصبه الجديد في المجلس المدعوم إماراتياً كنائب لعيدروس الزبيدي.
وبموجب هذه الوضعية للبحسني فإن الرجل يعتبر حالياً من خصوم رشاد العليمي، وبينما كان البحسني يطمح إلى أن يستعيد نفوذه في حضرموت قبل خصومته مع العليمي فإنه وبعد إعادة الرياض للعليمي إلى حضرموت لن يكون البحسني قادراً على استعادة أي نفوذ بل إن الأرجح أن يسحب العليمي خلال تواجده بحضرموت ما تبقى من اوراق للبحسني في هذه المحافظة، وهي صفعة سيحرص العليمي على توجيهها للبحسني كتأديب له على ذهابه للاصطفاف مع الزبيدي.
ومن غير المستبعد أن يكون وجود البحسني في المجلس القيادي بعد الآن مجرد وجود شكلي مثله مثل عثمان مجلي أو عبدالله العليمي باوزير اللذين لا دور لهما في هذا المجلس ولا تأثير في أي مستوى من مستويات السلطة سوى برفع أيديهما للتصويت على هذا القرار أو ذاك داخل المجلس القيادي، على الرغم من أن مبدأ العمل بموجب التوافقات داخل القيادي الرئاسي عند إصدار أي قرارات أو اتخاذ أي توجهات حسب ما جاء في إعلان تشكيل المجلس في ٧ أبريل ٢٠٢٢ لم يتم تنفيذه ولا يُعمل به منذ تشكيله وكل القرارات والتوجهات تصدر حسب رغبات السعودية عبر العليمي رشاد فقط باستثناء بعض القرارات أو المواقف التي جامل بها العليمي الإمارات في بادئ الأمر، مثل سكوت العليمي عما حدث في شبوة من إهانة للعلم الجمهوري والمؤسسات الحكومية حين سيطرت قوات الانتقالي على المحافظة ومركزها عتق.