في ذكرى أكتوبر الـ60 .. موانئ عدن بوابة عبور الغزاة والمستعمرين للجنوب
الجنوب اليوم | خاص
مثلت مواني عدن بوابة العبور الأولى للغزاة والمستعمرين لاحتلال المحافظات الجنوبية، فالميناء الذي اسال لعاب الانجليز خلال الفترة ١٨٣٠ وحتى ١٨٣٩،
وتركزت مطامع الانجليز حول السيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي كونه كان حينها واحداً من اهم أكبر الموانئ الطبيعية فـي العالم ويحتل مكانة جيواستراتيجية رفيعة على خارطة الملاحة الدولية، وزادت هذه الأهمية مع تحول إقليم الشرق الأوسط إلى مركز ثقل جيواقتصادي بعد اكتشاف خزانات ضخمة من مصادر الطاقة الحيوية في صحاري دول الخليج العربي ، لذلك اتخذ الغزاة والمستعمرين اكثر من ذريعة لاحتلال الميناء ومن الميناء الى احتلال مدينة عدن وفرض السيطرة والنفوذ على المحافظات الجنوبية ، فتحت مظلة اتفاق استثماري عقد بين شركة الهند الشرقية وسلطنة لحج ابرم 1802 ،
وضعت بريطانيا أقدامها في عدن عبر اتفاق امتيازات خاصة للشركة التابعة لها في الميناء، واتخذت من سفينة ” داريا دولت ” التي جنحت في شواطئ عدن ذريعة لاحتلال الجنوب بعد ٣٧ عاما من استثمارها لميناء عدن وفق الاتفاقية ، وافتتحت سوق حره وحولت عدن إلى مركز تسويق لمنتجاتها ، ورغم محاولة سلطنة لحج دفع تعويضات عن ادعاءات الجانب البريطاني فيما يتعلق بنهب صيادين للسفينة “داريا دولت ” ، الا ان لندن رفضت بالتعويض الذي طالبت به ، وأرسلت الحكومة البريطانية حينذاك الكابتن هينس ،إلى عدن ، وكانت مطالبها واجنداتها أكبر من التعويض بالمال ويمس السيادة الوطنية ويهدف إلى السيطرة على الميناء وعلى مدينة عدن ، فالعرض البريطاني لسلطان لحج كان بتسليم الميناء والمدينة للجانب البريطاني ، مقابل بقائه حاكماً دون تغيير ، ورغم رفض السلطان العبدلي للعرض البريطاني حينذاك ، رغم ممارسة بريطانيا ضغوطاً كبيره على سلطان لحج والذي كان يحكم عدن ولحج ، الا ان الرفض كان رد سلطان لحج الذي لم يكن يتملك قوات كافيه للدفاع عن سلطنته من الاطماع البريطانية ، فرفضت تسليم عدن للانجليز، وجراء ذلك أقدمت بريطانيا في التاسع عشر من يناير عام ١٨٣٩م ، بشن هجوم عسكري بحري كبير على مدينة عدن ، فاضطرت سلطات لحج للمواجهة عدة أيام ، انتهت بسقوط مدينة عدن ، وعلى إثر ذلك وقعت بريطانيا اتفاق مع سلطان لحج العبدلي والقبائل الموالية له ، قضت بعدم التعرض للمصالح البريطانية وتأمين طرق النقل والمواصلات في المناطق الخاضعة لسيطرته على أن تبقى سلطاته شكليه مقابل ولائه لبريطانيا ، مقابل التزام الانجلترا بدفع مساعدة مالية سنوية للسلطان العبدلي ، فوافق على ذلك ، وأبرم معاهده مع الغزاة اللذين عمموا المعاهدة من سلاطين ومشيخات الجنوب لتخضع بعد ذلك كافة المحافظات الجنوبية للاحتلال ١٢٩ عام، انتهت بثورة ١٤ اكتوبر ١٩٦٣م .
المقاربات الكبيرة في مطامع الغزاة والمستعمرين في جنوب البلاد كبيرة، فالوجود الاماراتي اليوم في المحافظات الجنوبية يعود إلى اتفاق تأجير موانئ عدن عام 2006 ، عندما بدأت الإمارات بوضع يدها على موانئ عدن المنافسة الأهم لموانئ دبي ، وبموجب اتفاقية خادعة ابرمت بين الحكومة اليمنية حينها وبين الامارات ، قضت بتطوير الجانب الاماراتي للميناء بشكل كبير ، وتعود مؤامرة تأجير موانئ عدن للإمارات ، إلى قيام شركة PSA والتي كانت تدير الميناء قراراً بمغادرة اليمن وبيع حصتها من المشروع لمصلحة شركة أخرى أسستها مجموعة من موظفيها السابقين، وتدعى OPM. إلا أن الحكومة اليمنية آنذاك قررت أن تمنح عقد تشغيل الميناء لشركة «موانئ دبي العالمية»، بموجب اتفاقية أبرمتها في ٢٠٠٨ مع شركة «موانئ دبي العالمية»، مقابل ٦٠٠ مليون دولار أميركي ، وفق ما ذكره تقرير حكومي. المبلغ هو حصيلة حصته مقابل بيع جزء من ميناء المعلا بعـدن، خلال صفقة سرية جرى التوقيع عليها. ولإخفاء عملية تمرير الصفقة، سعت السلطة إلى تأسيس شركة مشتركة بين «موانئ دبي العالمية» ومؤسسة «موانئ خليج عـدن» التي أنشئت باسم الحكومة اليمنية، بهدف التستر على بنود الاتفاقية المبرمة بينهما.
وفيما يفترض بميناء عدن أن يكون منافساً لميناء دبي، فقد أبرمت شركة «موانئ دبي العالمية» عام ٢٠٠٧ اتفاق تأجير مع الحكومة اليمنية لإدارة ميناء عدن، أفضى إلى تأسيس شركة لتطوير محطة الحاويات في عدن وتشغيلها، مناصفة لكل طرف، وبرأس مال أوّليّ بقيمة ٢٠٠ مليون دولار ، وباتت الشركة مشمولة بقانون المنطقة الحرة ، وأبرمت في ٢٠٠٨ اتفاقات أخرى، منها إيجار الأرض، وإدارة الميناء، وخدمات الميناء ونقل الموظفين. كما تم التوقيع على اتفاقية إيجار الأرض بين كل من مؤسسة موانئ خليج عدن اليمنية بصفتها مؤجراً للأرض والشركة المشتركة وهي «شركة دبي وعدن لتطوير الموانئ» وتمتلك المؤسسة فيها نسبة ٥٠ في المئة، وشركة “موانئ دبي العالمية ــ اليمن المحدودة» نسبة ٥٠ في المئة من الأسهم. وفترة الاتفاقية ٢٥ عاماً تجدد لمدة عشر سنوات. وكشفت إحصاءات رسمية لهيئة موانئ عدن تراجع عدد سفن الحاويات الواصلة بنسبة ١١٪ نهاية ٢٠١١ مقارنة بـ٢٠١٠ في محطة عدن للحاويات، وعدد السفن الواصلة إلى محطة المعلا للحاويات بنسبة ١٠٠٪. وأشارت الإحصاءات إلى انخفاض عدد سفن الحاويات من ٤٥ إلى ٣٣ فقط، وعدد الحاويات المتداولة من ٢٠٨٨١ إلى ١٨٤٧٣ حاوية.
وتم التوقيع على اتفاقية التشغيل الإدارية التي تمنح شركة «موانئ دبي العالمية ــ اليمن» إدارة محطة عدن للحاويات ورصيف المعلا، وفق أسس وشروط محددة في الاتفاقية، وكذا اتفاقية خدمات الميناء المتمثلة في تقديم المؤسسة خدمات الميناء بما في ذلك خدمات القطر والإرشاد والرسو والتعميق للقناة الملاحية لدخول وخروج السفن بعمق يصل إلى ١٨ متراً، وتوسعة حوض الاستدارة مقابل تقديم رسوم الخدمات حسب لائحة التعرفة للمؤسسة، تصل في السنوات الأولى إلى ١,٥ مليون دولار أميركي.
الا ان شركة «موانئ دبي العالمية» لم تلتزم ببنود الاتفاقية على مساوئها، وحوّلت ميناء عدن الى محطة ترانزيت لتفريغ حمولة السفن الكبيرة وإعادة شحنها في سفن اصغر لتمخر عباب خليج عدن صوب ميناء جبل علي في امارة دبي الاماراتية. الامر الذي خلق حالة من الاستياء في الشارع اليمني والتعبير عن رفض للاتفاقية والمطالبة بإلغائها حرصاً على السيادة الوطنية ، وحفاظاً على الموارد المحلية ، وتجلّت ابرز صور الرفض الشعبي منذ اندلاع ثورة ١١ شباط ٢٠١١ الشبابية السلمية التي طالبت باسقاط النظام ومحاكمة رموزه.
ووفقاً لتقرير رسمي إن ميناء عدن شهد تدهوراً كبيراً منذ توقيع اتفاقية تشغيل الميناء مع شركة «موانئ دبي العالمية». وذكر التقرير الصادر عن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد انّ اعمال التحري والتحقيق الخاصة التي قامت بها الهيئة، كشفت عن تدني مستوى عمل الميناء وتدهور العمل في محطة الحاويات وتحول الخطوط الملاحية الكبرى من ميناء عدن إلى الموانئ المنافسة في الدول المجاورة. وأضاف أنّ المعلومات والدراسات الأولية كشفت عن حقائق خطيرة كانت السبب الرئيسي في تدهور العمل في محطة الحاويات بعدن، مؤكداً انّ التدهور في عمل الميناء بدأ تدريجياً خلال السنوات الأولى من عمر الاتفاقية وتحديداً من ١ /١١ / ٢٠٠٨ حتى نهاية ٢٠١١ ، عقب ذلك وبضغط شعبي ، أقر مجلس إدارة مؤسسة «موانئ خليج عدن» السبت ٢٥ آب ٢٠١٢ إلغاء اتفاقية تأجير «ميناء عدن» لشركة «موانئ دبي العالمية» ، وكرد فعل قامت الامارات باستقطاب شخصيات تعمل لحسابها ، ومع انطلاق عملية عاصفة الحزم التي قادها التحالف بقيادة السعودية عادت الامارات ليس كمستثمر بل كمحتل ، ومن ذلك الحين وضعت ابوظبي عينها على المواني اليمنية الجنوبية والشرقية في اليمن وافرغتها من الحركة الملاحية مقابل انعاش الحركة الملاحية في ميناء جيل علي ، والموانئ الإماراتية ، فاليوم الذي يصادف الذكرى الـ 60 لثورة 14 من أكتوبر المجيد عام 1963 ، يخضع ميناء عدن والمحافظات الجنوبية للتواجد العسكري الأجنبي للعام التاسع .