تحليل: تصاعد الصراع بين السعودية والإمارات في حضرموت – هل تسعى السعودية إلى إقامة دولة مستقلة؟
الجنوب اليوم | تحليل
في ظل تصاعد التوترات في محافظة حضرموت، شرقي اليمن، يبدو أن المنطقة النفطية الغنية عادت لتصبح الآن ساحة أبرز للصراع على النفوذ بين السعودية والإمارات.
التوترات بين الفصائل المسلحة الموالية للرياض والفصائل الأخرى المدعومة من أبوظبي تأتي على خلفية صراع نفوذ إقليمي يمتد إلى ما هو أبعد من حدود اليمن، ومع إعلان قبائل حضرموت حراكاً مسلحاً وتجنيد الآلاف من الجنود، تُظهر هذه التطورات أن الصراع لا يقتصر فقط على النفوذ الاقتصادي، بل يرتبط بخطط سياسية سعودية خطيرة تهدف إلى تغيير خريطة اليمن.
تحركات السعودية: السيطرة على النفط وتعزيز النفوذ
وفقاً لمصادر خاصة للجنوب اليوم فإن السعودية تجري تحركات واسعة لتعزيز سيطرتها على حضرموت من خلال نشر قوات “درع الوطن” الموالية لها في مواقع استراتيجية، بما في ذلك ميناء الضبة النفطي شرقي مدينة المكلا، هذه الخطوة، التي تأتي بعد تسليم السعودية منفذ الوديعة، تعزز من هيمنة الرياض على البنية التحتية النفطية في حضرموت، خاصة حقول بترومسيلة، وهو ما يعزز الشكوك حول نواياها في تحويل حضرموت إلى دولة مستقلة تحت سيطرتها تمهيداً لضمها إليها لاحقاً بعد سنوات.
تحركات السعودية لا تقتصر على السيطرة على المنشآت النفطية فحسب، بل تشمل أيضًا نشر سبعة ألوية من “درع الوطن” في حضرموت وتسعة ألوية أخرى في عدن.
هذه التحركات تهدف إلى تحقيق هيمنة سعودية شاملة على المنطقة وتهميش بقية المكونات الجنوبية اليمنية المستقلة والفصائل المدعومة إماراتيًا، والتي يتم الآن نقلها إلى جبهات بعيدة مثل مكيراس ويافع، في حين يتم سحب لواء بارشيد الموالي للانتقالي من حضرموت إلى أبين.
دور قبائل حضرموت في الصراع: أداة سعودية أم مقاومة محلية؟
الحراك المسلح لقبائل حضرموت يأتي في وقت حساس، حيث دعت القبائل إلى تجنيد 10,000 جندي وبدأت بالفعل في السيطرة على خمسة قطاعات نفطية، مع فرض طوق مسلح على هذه القطاعات.
هذه التحركات بحسب مراقبين ليست بمنآى عن تحركات قوات “درع الوطن” الموالية للسعودية، ما يعكس أن السعودية تسعى لاستغلال التوتر الحاصل في حضرموت لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
قبائل حضرموت، التي طالما اعتبرت نفسها مستقلة نسبيًا عن الفصائل السياسية، تبدو الآن في قلب الصراع السعودي الإماراتي، فالسعودية، التي لها حدود برية مباشرة مع حضرموت، قد تسعى لاستخدام هذه القبائل كأداة لتحقيق أجندتها الرامية إلى تعزيز سيطرتها على المحافظة وتحويلها إلى كيان مستقل تحت رعايتها رغم أن هذه القبائل في ظاهر تحركاتها تبدو كأنها تعمل لحساب الإمارات ولكن عند التدقيق في علاقات قيادات الحراك القبلي في حضرموت حالياً يجد المتابع أن هذه القيادات كانت محسوبة في تبعيتها على السعودية وليس الإمارات كما هو حاصل الآن.
ويؤكد مراقبون أن هذه الأجندة السعودية قد تكون أخطر بكثير من الأجندة الإماراتية، حيث تسعى الرياض إلى استغلال موارد حضرموت النفطية والزراعية والبحرية، والتي توفر لها مقومات دولة مستقلة قادرة على تمويل نفسها.
السعودية والإمارات: صراع نفوذ بأدوات مختلفة
بينما تركز الإمارات على تعزيز نفوذها العسكري والسياسي من خلال الفصائل المسلحة الموالية لها مثل قوات الحزام الأمني والمجلس الانتقالي الجنوبي، تتحرك السعودية بشكل أوسع وأكثر استراتيجية، فالخطة السعودية لا تقتصر على تعزيز النفوذ العسكري، بل تشمل أيضًا فرض سيطرة على الموارد الاقتصادية الحيوية مثل النفط والموانئ، وهذا النهج السعودي يبدو أكثر تعقيدًا وخطورة، حيث لا تسعى الرياض فقط للهيمنة على حضرموت، بل قد تسعى لتحويلها إلى دويلة مستقلة تحت وصايتها، وهو ما يعزز من نفوذها في المنطقة على المدى الطويل، على مدى العشر السنوات القادمة تمهيداً لضمها إليها لاحقاً.
تحركات السعودية تأتي بالتزامن مع دعم من المجلس الرئاسي الذي شكّلته الرياض برئاسة رشاد العليمي والذي تمفل منذ أسابيع بتمرير كل مشاريع ومخططات السعودية في حضرموت سواء أكانت هذه المخطكات في سياق ترتيبات الحل النهائي والاتفاق السياسي مع صنعاء والتي تشمل الاتفاق على حل مسألة الثروة النفطية والمرتبات وحصص صنعاء وحضرموت من النفط الخام أو على مستوى ترتيبات وضع الفصائل المسلحة المنقسمة في ولائها بين السعودية والإمارات فيما يعرف بقوات (الشرعية)، ويمكن القول إن العليمي وحكومته حالياً وفيما يتعلق بملف حضرموت يمثلون أدوات سعودية تهدف إلى تهميش كل حضرموت بما في ذلك الفصائل المدعومة إماراتيًا وترسيخ النفوذ السعودي.
حضرموت بين مطرقة الإمارات وسندان السعودية
في ظل هذه التطورات، يبدو أن حضرموت أصبحت ساحة لصراع نفوذ إقليمي معقد بين السعودية والإمارات، فالرياض تسعى لتعزيز سيطرتها على المحافظة من خلال دعم قبائل حضرموت وقوات “درع الوطن”، بينما تجد الإمارات نفسها مضطرة للتراجع مع سحب الفصائل المسلحة الموالية لها من المنطقة.
هذا الصراع لا ينفصل عن السياق الأوسع للتحولات الإقليمية في اليمن، حيث تسعى كل من السعودية والإمارات لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب وحدة واستقرار اليمن. وفي هذا السياق، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن السعودية من فرض أجندتها وتحويل حضرموت إلى دولة مستقلة، أم أن الإمارات ستجد طرقًا للعودة إلى المشهد بقوة؟ ما يبدو واضحًا أن حضرموت تقف الآن في قلب لعبة نفوذ إقليمية قد تغير وجه اليمن والمنطقة بأسرها.