البرلمان اليمني في عدن: الجنوب إلى أين؟
الجنوب اليوم | صلاح السقلدي
قال نائب رئيس البرلمان اليمني محمد الشدادي (جنوبي الانتماء عن حزب «المؤتمر الشعبي العام») إن البرلمان اليمني سيعقد أولى جلسات له بعدن مطلع فبراير / شباط القادم. فبرغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الشدادي عن عقد أولى جلسات مجلسه النيابي – البالغ من العمر عقداً ونيف من الزمن – في عدن، فقد تحدث الرجل ومعه عدد من المسؤولين اليمنيين المنضوين تحت لواء السلطة المعترف بها دولياً «الشرعية»، طيلة الأشهر الماضية عن عقد مثل هكذا جلسة، باءت جميعها بالفشل نتيجة غياب النصاب القانوني، إلا أن هذه المرة يعاود الرجل الشدادي – ومن خلفه دون شك حزب «الإصلاح» وسلطة هادي – الحديث عن هذا الموضوع، وثمة أمل لديه أن أعضاء مؤتمريين قد تمت استمالتهم وإقناعهم بالحضور بعد شهر من مقتل زعيم حزبهم علي عبدالله صالح، الذي يستأثر حزبه بالأغلبية البرلمانية.
الشدادي، الذي هو بالمناسبة من القيادات الجنوبية التي صاغت مشروع مؤتمر القاهرة الجنوبي، المستند على فكرة دولة من إقليمين، شمال وجنوب، بقيادة الرئيس علي ناصر، قبل أن يعمل الشدادي استدارة سياسية باتجاه هادي و«الإصلاح»، يعرف كما تعرف معه كل القيادات اليمنية المنضوية تحت سلطة الرئيس هادي وحزب «الإصلاح» وحتى المملكة العربية السعودية التي تسعى منذ أكثر من عام لعقد جلسة لهذا المجلس بعدن لسحب ما تبقى من مؤسسة شرعية موجودة بصنعاء ما يزال معترفاً بشرعيتها الجميع (ونقصد هنا البرلمان اليمني)… أن هذا البرلمان برغم ما تبقى له من شرعية لن يضيف شيئاً للعملية السياسية اليمنية المترنحة، ولا بالتالي سيكون له تأثير عسكري على الأرض، فسلطة تحظى بدعم سياسي وعسكري كامل من المحيط الإقليمي والعربي والدولي كسلطة الرئيس هادي ليست بحاجة لدعم مجلس نيابي شاخ عمره وترهلت مفاصله ومفاصل أعضائه – بالمعنى الحرفي والمجازي لكلمة الترهل – وأصبح وجوده في خضم ما يجري بالساحة وجوداً شكلياً وكمالة عدد لا غير، مجلس منزوع الصلاحيات بعد أن أوجدتْ له المرجعيات السياسية الأخرى، وبالذات المبادرة الخليجية، سلطات موازية، لها قوة الدستور، بل وطاغية عليه، وأضحى مجرد مجلس ممزق الولاءات والتبعيات السياسية الجهوية والقبلية، يبيع أعضاؤه مواقفهم بحسب سعر البورصة السياسية (تخيلنا تلك الصورة التي جلس فيها عدد من البرلمانيين اليمنيين المواليين لـ«الشرعية» بحضرة الأمير بن سلمان في أغسطس العام الماضي وهو يقـرّعهم ــ بحسب مصادر إعلامية ــ على فشلهم في حشد نصاب قانوني لمجلسهم برغم المبالغ الطائلة التي صرفت لهم).
مجرد عقد هذه الجلسة ستكون أقوى ضربة تحت الحزام تتلقاها القضية الجنوبية
وعطفاً على ما تقدم، لا يمكن لإنسان عادي، ناهيك عن مراقب سياسي ومتابع لمجريات الأمور باليمن، أن يفهم القصد من الإصرار المستمر على عقد مثل هكذا جلسة في عدن وجلب أكبر كمية من برلمانيي اليمن إلى الجنوب إلا استهدافاً صريحاً لا لبس فيه للقضية الجنوبية في هذا الوقت الذي تراهن فيه سلطة هادي على مزيد من تشظي الجنوب إلى فسيفساء ثورية وسياسية وميليشياوية متناثرة، بعد أن هرولت كثير من رموزه إلى أحضان ولاءات محلية وإقليمية (والبيع بسعر التراب) ضاربة بقضيتها عرض الحائط، بعد أن فعل بها المال السياسي مفعول السحر.
فما يهمنا في هذا المقام هو التعرض لموقف هذه النخب من هذه المساعي اليمنية التي تسعى إلى إضافة مزيد من التشويش على طبيعة القضية الجنوبية – المشوشة عليها بضبابية كثيفة أصلاً منذ قرابة ثلاثة أعوام – أمام عيون المجتمع الإقليمي والدولي من خلال خطوة كهذه (عقد جلسة لمجلس النواب بعدن) ستتخذ منها حُجة وتتحدث بها بكل لغات العالم مفادها: «إن الجنوب قد أعرض عن مطالبه التحريرية، وقد وبدأ يتقبل يمناً اتحادياً جديداً»، إن هي مررتْ هذه الجلسة بسلام.
فأي نجاح لهذه الجلسة بعدن (وهي الخطوة التي فشلت السلطات الحاكمة بصنعاء بقيادة الرجل القوي (صالح) منذ عام 94م القيام بها برغم سطوتها العسكرية والدعم الدولي الذي كانت تحظى به مقابل جنوب خائر القوى مقموع الحال ويفتقر لأبسط أنواع الدعم والسند السياسي الخارجي والداخلي غير السند الجماهيري، ومع ذلك فشلت صنعاء بقوتها ونجحت عدن من ضعفها) ستضع النخب الجنوبية التي تعلن دوماً أنها تتبنى مشروع استعادة الدولة الجنوبية، وبالذات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تشخص نحوه الأبصار الجنوبية والإقليمية، كونه يحظى بتأييد إماراتي ــ أو هكذا يبدو ظاهرياً ــ تحت مجهر بالداخل والخارج، وتعلن وفاتها السياسية بمجرد ضرب مطرقة رئيس المجلس على الطاولة. فمجرد عقد هذه الجلسة، بصرف النظر عن أية نتائج تناقشها أو تقرر الخروج بها، ستكون أقوى ضربة تحت الحزام تتلقاها القضية الجنوبية منذ بداية هذه الحرب، بل منذ انطلاقة الثورة الجنوبية، بل لا نبالغ إن قلنا إنها ستكون الضربة التي سترسل هذه القضية إلى غرفة العناية المركزة، كما لا نبالغ أيضاً إن قلنا إن ذلك سيكون بمثابة ضربة بمقتل لمعظم القوى والرموز الجنوبية التحررية ونهاية مأساوية ومخزية لتاريخها النضالي، وسيكون بالمقابل الطريق معبداً ومنثوراً فوقه ورود وريحان أمام عودة كل رموز السلطات اليمنية من فنادقها بالخارج، وربما من مأرب، وهي مكللة بأكاليل الغار، كما ستكلل بذات الوقت النخب الجنوبية بأكاذيب العار… نتمنى ألّا نشاهد مثل هكذا مشهد صادم؛ صادم للإرادة الجنوبية المتطلعة نحو مستقبل أفضل، ولكن لن نمضي نحو ذلك المستقبل المنشود في ظل وضع البيع والشراء الذي تعج به الساحة الجنوبية.
لا شك أن كل القوى الجنوبية ستكون على المحك إن مررت شرعية هادي ما تخطط له، ولكن يظل المجلس الانتقالي الجنوبي الأكثر عرضة للنقد والازدراء من غيره إن حدث ذلك، كونه يقدم نفسه كممثلٍ شرعي ومظلة سياسية جنوبية شاملة، ويزعم الدعم السياسي من أكثر أعضاء دول «التحالف» فاعلية وحضوراً بالساحة: دولة الإمارات العربية المتحدة، فهذا التحدي سيكون هو الامتحان الأبرز والأخطر للمجلس منذ تأسيسه، فإن لم يستطع كبح تلك المساعي التي تسعى لها «الشرعية» فهذا يعني بالضرورة صحة ما يقوله فيه خصومه من أنه مجرد مطية إمارتية، ومظلة سياسية لاحتلالها للجنوب ليس أكثر، وستنفض من حوله جماهيره العريضة، وستبدو معه الامارات دولة مخادعة لتطلعات الجنوب التحررية، تلعب على أكثر من حبال.
فهل ينجح «الانتقالي» بأول امتحان سياسي له؟ وهو بالمناسبة الامتحان الذي من سوء حظ الانتقالي ومن سوء طالعه السياسي الامتحان الأول والأصعب على الاطلاق؟ فهذا الاختبار سيجعل هذا المجلس يردد: «نكون أو لا نكون»، كون نتيجة هذا الامتحان ستحدد ما إذا كان هذا المجلس سيذهب نحو المستقبل ويفند ادعاءات خصومه، أو باتجاه المقبرة السياسية غير مأسوف عليه، ويثبت ما قيل عنه من مزاعم. وحتى ذلك الحين سننتظر بقلق.
المصدر العربي